في مدينة الحسيمة الواقعة بمنطقة الريف، مسقط رأس وزير الصحة الحسين الوردي، كان لا بد أن ينتظر هذا الأخير وفاة طفلة بعد معاناة مع مرض السرطان، ليتحرك في اتجاه إعفاء مندوبه في المدينة، بعد أن تأكد أن الإهمال إلى جانب مرض السرطان، كان عاملا رئيسيا في وفاة الطفلة فاطمة أزهريو. لا شك أن الوزير كان يعلم في قرارة نفسه أنه كان من الممكن ولو بنسب جد ضئيلة، إنقاذ حياة فاطمة، في حالة لو كانت قد حظيت بالعناية اللازمة، ولذلك سارع بإعفاء المندوب بعد أن تبين له إهمال موظفيه، هو الذي شجع المرض الخبيث أكثر على نهش جسد الطفلة البرئية. في طنجة، دخل الكثير من الأطفال والشباب والشيوخ إلى مستشفيات في المدينة، بغرض التداوي من إصابات و أمراض كثير منها منها ما هو أقل خطورة من داء السرطان، لكن ومع ذلك خرج العديد منهم إما محمولين في سيارات باتجاه مشرحة الأموات أو على كراسي متحركة للمعاقين.. حالات كثيرة من هذا النوع لو تعامل معها وزير الصحة مثلما تعامل مع قضية فاطمة، فإنه حتما سيكتشف أن الإهمال كان هو السبب وراء هذه الكوارث. كريمة.. الإهمال يفتك من جديد فوق أريكة بمنزل أسرتها بمنطقة ملوسة في الضاحية الشرقية لطنجة، جلست كريمة العاقل (4 سنوات) وحالة من العياء انتبتها، بعد ان كانت منذ لحظات فقط تعبر عن حماسها الطفولي ذهابا وإيابا في جنبات البيت. حالة طارئة أثارات قلق الأم التي سارعت إلى ضم ابنتها عندما لاحظت أن حالتها تسوء أكثر فأكثر. أمام هذه الحالة الصحية، سيتبادر إلى ذهن الام مباشرة فكرة نقل الطفلة إلى المستشفى، لكن ليس إلى مستشفى المنطقة التي يوجد فيها محل سكناها، لأن هناك احتمال أن يكون مقفلا في وجه المرضى، إضافة إلى ما تردد من تقديمه أدوية فاسدة، وعليه فإن الوجهة هي وسط المدينة، وتحديدا المستشفى الجهوي محمد الخامس. بمستشفى محمد الخامس، لن يكون الأمر أفضل من مستشفى ملوسة، فما أن عرضت الأم طفلتها على الموظفين، حتى أخبروها أن الطبيب المختص غير موجود، وبالتالي فإن إخضاعها لفحص دقيق يشخص حالتها غير ممكن حاليا، لذلك فإن على الأم ترك ابنتها بغرفة العناية ريثما يحضر الطبيب، لكن هذا الأخير لم يحضر، وبقيت كريمة في المستشفى تتناول ما يحتاجه جسمها من المصل الدوائي "السيروم" طوال يوم الخميس 2 يناير، حتى صبيحة اليوم الموالي، الذي تلقت الأم خلاله خبر وفاة فلذة كبدها. أرواح تزهق في "مستشفى الموت" قصة كريمة العاقل، تأتي بعد أيام قليلة من حالة لطفلة أخرى في مثل سنها، آية التومي، طفلة توفيت أيضا بينما كانت تتلقى العلاج في مستشفى مستشفى محمد الخامس، الذي اكتفى مسؤولوه بالتعهد بفتح تحقيق في الحادثة كالعادة، في الوقت الذي لم يعلن حتى الآن عن نتيجة أي تحقيق، مما يجعل رواية الأب المكلوم هشام، وحدها الرائجة في الساحة، رواية تشير إلى غياب الطبيب المختص بتخدير الأطفال من أجل إجراء العملية للطفلة آية. وهي عملية يقول هشام أن ابنته نقلت إلى غرفتها من طرف إحدى عاملات النظافة. الرضع أيضا يوجدون ضمن قوائم ضحايا "مستشفى الموت"، لما لا والداخل إلى هذا المستشفى مفقود أصلا فكيف بالمولودين بين جدرانه الأربعة !!، ومن بين الرضع الذين كتب لهم مؤخرا أن يفتحوا أعينهم في هذا المكان ويغلقوها فيه، هناك رضيعة لم رفضت أمها أن تدفع مبلغا ماليا كرشوة لممرضات طلبنها منها لقاء مساعدتها في عملية التوليد. ولأن لكل شيء في هذا المستشفى ثمن حتى الحياة، حسب القانون العرفي السائد هناك، فقد تركت المولدة هذه المراة لتواجه مصيرها وبالتالي تفقد جنينها. الصحة..قطاع منكوب مهما شاع من قصص إزهاق للأرواح داخل مستشفى محمد الخامس، فإن جميع هذه الحوادث تبقى فقط تلك الشجرة التي تخفي الغابة، وبالتالي فإن ذلك يؤشر على حقيقة مرة، هي أن قطاع الصحة في مدينة بحجم طنجة، هو قطاع منكوب. ومن مؤشرات نكبة هذا القطاع الذي يعتبر غياب الباعث الأخلاقي لدى العديد من الموظفين أحد أوجهه، هناك أيضا أرضية القطاع الصحي بشكل عام في هذه المدينة. فعلى سبيل المثال فإن مستشفى محمد الخامس وحده يستقبل بشكل يومي ما يزيد عن 500 حالة، حسب المعطيات المتوفرة، وهي الحالات التي يؤطرها إلا طبيبان وممرضان بطاقة استيعابية لا تتجاوز تسعة أسرة. وضعية صحية تصنف على أنها أسوء من وضعية المستشفيات الميدانية المقامة خلال الكوارث والحروب، وبالتالي تستوجب فتح أكثر من تحقيق حولها، لتسفر بلا شك عن إقالة أكثر من مسؤول في أسوء الأحوال.