الجغرافيا لم ترحم المغرب وجعلته غير مكتمل الربوع ومدينتا سبتة ومليلية سليبتان، وحيث إن الطريق من تطوان إلى سبتة الثغر البحري القابع على مقربة من الفنيدق محفوفة بالورود، إلا أن الأشواك تعترض طريق الوصول إلى معبر "الديوانة".. رمز الذل والمهانة سبتة السليبة تظل عصية على الانضمام لعموم تراب المملكة، في تحد سافر للخريطة الجغرافية، ورغم أن هذا الثغر البحري يئن تحت أقدام الأزمة التي تعصر الاقتصاد الإسباني إلا أنه لا يزال يتنفس بفضل مغاربة يقضون سحابة يومهم في المدينة يجوبون طرقاتها نهارا وينامون على أسرتهم في منازلهم بالمغرب كلما جن الليل. أمين واحد من أبناء الفنيدق، وقد خبر منذ نعومة أظافره سبتة فغالبا ما كان يرافق والده إلى قلب المدينة التي تتكيء على رابية تعانق مياه المتوسط، وقد قال ل"منارة" إن سبتة لم تعد كما في السابق، فأمارات الأزمة العالمية الاقتصادية تتجسد بوضوح في مراكز المدينة التجارية، والسبتيون يغبطون المغاربة أمثالهم ممن يبدون جهلهم بوجود أزمة تخنق إسبانيا، مستطردا بسخرية لاذعة "سرهم نيت باش ما تزيرت عليهم ترخاف علينا حنا"، لكنه ما فتيء يشير إلى أنه يتعاطف مع المغاربة المقيمين بسبتة، لأن نار الأزمة، أيضا، لفحتهم وأتت على موارد رزقهم في المدينة. كان أمين واقفا مع صديقه مصطفى غير بعيد عن المعبر البري الفاصل بين المغرب والحدود الأوربية التي وجدت لها مكانا عنوة على أرض إفريقيا، وكانا يضعان قربهما أكياسا بلاستيكية محملة بسلع استطاعا إخراجها من داخل سبنة. المثير للاستغراب، أن حرس الحدود الإسبان يعتبرون أمين ومصطفى وشاكلتهما تجارا ينعشون اقتصاد المدينة بينما هؤلاء هم في نظر الحرس المغربي مهربين يتربصون باقتصاد البلاد والعباد الدوائر، إنها ازدواجية لدى ممتهني التهريب المعيشي تختلف حسب الأرض التي تطأها أقدامهم.وغير بعيد من حيث يقف الاثنان، شقت ثلاث نسوة الطريق نحو أخدود نضبت عنه المياه وراحت إحداهن تنزع عنها أثواب كانت تلتحف بها تحت جلابتها، فيما راحت رفيقتاها ترقبان من بعيد بعيون متوجسة القادمين نحو المكان، وبسرعة خاطفة تخلصت المرأة مما جلبته من قلب سبتة ليستقر في حقيبة تأبطتها إحداهن وهن يبتعدن عن المكان. هكذا يعلنها تجار "الطراباندو" حربا ضد يقظة حرس الحدود المغاربة وبينما الحراس الإسبان يباركون زياراتهم فهم ينعشون المدينة ويضخون فيها أموالا مهمة في عز الأزمة. أما السيمو، الذي يمتلك محلا لبيع العطور ومواد التجميل في سوق المسيرة في الفنيدق فقد أفاد قائلا ل"منارة" "إن سكان كاستييخو "يستيقظون قبل أن يفتح المخزن أعينه"، في إشارة منه إلى أن حرب الأمن ضد تجار التهريب المعيشي تعلن قبل إرسال الشمس لخيوطها الأولى على الشريط الساحلي، وحينها تشرع قوافل من المهربين في تخلل الأخاديد وصعود الهضبات تحت جنح الظلام، دون أي نبراس ينير الطريق، لأن الضوء يتسبب، أحيانا، في تطاير الأعيرة النارية مستهدفة أجساد المهربين والحمير والبغال التي ترافقهم على حد سواء. وفيما لكل شيء ثمن، فإن ل"الطراباندو" أثمان مختلفة فتهريب السجائر ليس كتهريب الأقمشة ومواد التنظيف، سماسرة محترفون هم من يتكلفون بلعب دور الوسيط في بعض الأحيان بين أبطال جبهتي الحرب الني يشتد أوزارها من وقت لآخر. (*) عن بوابة منارة