يخلد الشعب المغربي ، وفي مقدمته رجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير ، اليوم الثلاثاء الذكرى السابعة والستين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي تشكل محطة مشرقة في مسلسل الكفاح الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد من أجل الحرية والاستقلال. ففي مثل هذا اليوم من سنة 1944 قدمت وثيقة المطالبة بالاستقلال لبطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه ، وسلمت نسخة منها للإقامة العامة ولممثلي الولاياتالمتحدة وبريطانيا بالرباط، كما أرسلت نسخة منها الى ممثل الاتحاد السوفياتي.
ومنذ صدور " الظهير البربري" سنة 1930، الذي أعقبته سلسلة من المواجهات والمعارك ضد التدخل الاستعماري، خاض الشعب المغربي سلسلة مواجهات للحصول على استقلاله، فتم تأسيس كتلة العمل الوطني ، وتقدمت الحركة الوطنية المغربية بمطالب في هذا المجال سنتي 1934 و 1936 في الوقت الذي استمر فيه النضال بالمدن والبوادي من أجل تعميق الشعور الوطني وتعبئة المواطنين في أفق الكفاح من أجل الحرية والاستقلال.
وفي خضم هذا الإجماع على مواجهة الاستعمار وحمله على الاعتراف باستقلال البلاد، شهد المغرب عدة مظاهرات .
وكان مؤتمر أنفا في شهر يناير 1943 مناسبة التقى خلالها بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس مع رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية ، فرنكلين روزفيلت، ورئيس وزراء بريطانيا ، وينستون تشرشل، حيث طرح طيب الله ثراه خلال هذا المؤتمر قضية استقلال المغرب تمشيا مع مبادئ ميثاق الأطلسي.
وما إن حلت السنة الموالية لانعقاد مؤتمر أنفا حتى هيأت نخبة من الوطنيين وثيقة ضمنوها المطالب الأساسية المتمثلة في استقلال البلاد، وذلك بتشجيع وتزكية من جلالة المغفور له محمد الخامس الذي كان يشير عليهم بما يقتضيه نظره من إضافات وتعديلات وانتقاء الشخصيات التي ستكلف بتقديمها مع مراعاة الشرائح الاجتماعية وتمثيل جميع المناطق في بلورة هذا الحدث المتميز في تاريخ البلاد.
ولقد كان لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال الأثر العميق في مختلف جهات المملكة إذ تلتها صياغة عرائض التأييد، كما نزلت جماهير غفيرة إلى الشوارع في مظاهرات تأييد أشهرها مظاهرة 29 يناير 1944 في الرباط التي سقط فيها عدة شهداء برصاص قوات الاحتلال.
وبدلا من رضوخ سلطات الاستعمار لإرادة الحق والمشروعية التي عبر عنها العرش والشعب، تمادت في محاولة الضغط على جلالة المغفور له محمد الخامس سعيا لإدماج المغرب في الاتحاد الفرنسي وفصل قائد الأمة عن الحركة الوطنية، وقد واجه بطل التحرير مخططات الحماية بكل جرأة ورباطة جأش وواصل حمل مشعل التحرير والانعتاق من خلال زيارته التاريخية لمدينة طنجة في 9 أبريل 1947 تأكيدا على وحدة المغرب، وكذلك من خلال زيارته لفرنسا سنة 1950.
وأمام الترابط الوثيق بين العرش والشعب فشلت كل مؤامرات سلطات الاستعمار في الهيمنة وفرض مخططاتها الرامية إلى النيل من السيادة الوطنية، فأقدمت في 20غشت 1953 على نفي رمز الأمة رفقة أسرته الشريفة خارج أرض الوطن معتقدة أنها بذلك ستحكم قبضتها على المغرب، لكن المستعمر لم يكن يدرك أنه بهذه الفعلة الشنيعة كان يدق آخر مسمار في نعشه ، حيث اندلعت أعمال المقاومة ضد سلطات الاحتلال وعمت الاضطرابات مختلف مناطق البلاد احتجاجا على نفي السلطان الشرعي، وانطلقت بعد ذلك عمليات جيش التحرير، الذي كبد رجاله قوات الاحتلال خسائر في الأرواح والعتاد.
وبفضل هذه الملحمة البطولية المجيدة تحقق أمل الأمة المغربية قاطبة في عودة بطل التحرير ورمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه حاملا معه لواء الحرية والاستقلال ومعلنا عن الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر من أجل بناء المغرب الجديد الحر المستقل.
وسيرا على هذا النهج، خاض الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليه معركة استكمال الوحدة الترابية ، فتم في عهده استرجاع سيدي إيفني سنة 1969 واسترجاع الأقاليم الجنوبية سنة 1975 بفضل المسيرة الخضراء المظفرة 1976، وتم تعزيز استكمال الوحدة الترابية باسترجاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979.
واستكمالا لمسيرات الملاحم الكبرى يواصل المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس مسيرة الجهاد الأكبر وتثبيت وصيانة الوحدة الترابية، وتحصين الانتقال الديموقراطي والاسراع به قدما إلى الأمام، وترسيخ مبادئ المواطنة الملتزمة، وتحقيق نهضة شاملة، وتعزيز مكانة المغرب كقطب جهوي وفاعل دولي ، وإذكاء إشعاعه الحضاري كبلد متشبث بالسلم والقيم الإنسانية المثلى.