يخلد الشعب المغربي يوم غد الاثنين، الذكرى السادسة والستين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي شكلت صفحة وضاءة في تاريخ الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد من اجل من اجهاض مؤامرات المستعمر وتحقيق الحرية والاستقلال. وسيظل يوم 11 يناير 1944 محطة مشرقة في سجل المغرب لاستخلاص العبر والدروس في الوطنية الصادقة، التي جمعت دوما بين شعب ابي وعرش وفي. ففي هذا اليوم تم تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال لبطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، وتسليم نسخة منها الى الإقامة العامة الفرنسية والى ممثلي القوى الدولية آنذاك وخاصة الولاياتالمتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفياتي آنذاك. وتضمنت الوثيقة على الخصوص المطالبة بحصول المغرب على الاستقلال تحت ظل ملك البلاد سيدي محمد بن يوسف، والسعي لدى الدول التي يهمها الأمر لضمان هذا الاستقلال، وانضمام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنتي والمشاركة في مؤتمر الصلح، والرعاية الملكية لحركة الإصلاح وإحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية والإسلامية بالشرق، تحفظ فيه حقوق وواجبات جميع مكونات الشعب المغربي. وكان لتقديم هذه العريضة اثره العميق في اذكاء روح الوطنية لدى الشعب المغربي بمختلف مناطق المملكة، حيث انطلقت حملة عرائض تأييد ونزلت الجماهير ة إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة أشهرها مظاهرة 29 يناير 1944، التي سقط فيها عدة شهداء برصاص الاحتلال الفرنسي. وفي المقابل استمر المستعمر في تعنته ، فبدلا من الرضوخ لإرادة الحق والمشروعية، التي عبر عنها العرش والشعب، حاول الضغط على جلالة المغفور له محمد الخامس سعيا إلى إدماج المغرب في الاتحاد الفرنسي وفصل قائد الأمة عن الحركة الوطنية. وايمانا منه بعدالة قضيته، واجه بطل التحرير مخططات الاستعمار بكل جرأة وتحد ورباطة جأش، وكانت زيارته التاريخية لمدينة طنجة في 9 أبريل 1947، التي ألقى منها خطابه التاريخي، وكذا مناداته بالاستقلال خلال زيارته لفرنسا في أكتوبر1950. ومحاولة منها للنيل من التلاحم الوثيق الذي جمع دوما الشعب بملكه أقدمت السلطات الاستعمارية في 20 غشت 1953 على نفي قائد الامة جلالة الملك محمد الخامس ، طيب الله ثراه، ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني وباقي افراد الأسرة الملكية الشريفة. ولم يدرك المستعمر أنه بنفيه لرمز وحدة المغرب يكون قد دق اخر مسمار في نعشه، حيث انطلقت أعمال المقاومة ضد الاستعمار في مختلف ارجاء المملكة احتجاجا على نفي السلطان الشرعي، تلتها بعد ذلك عمليات جيش التحرير الذي كبد رجاله القوات الاستعمارية خسائر جسيمة في الاروا ح والعتاد . وبفضل هذه الملحمة البطولية المجيدة، تحقق أمل الأمة المغربية قاطبة في عودة بطل التحرير ورمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس حاملا معه لواء الحرية والاستقلال ومعلنا عن الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر من أجل بناء المغرب الجديد الحر والمستقل. وبعد حصول المغرب على استقلاله ظلت الروح التي ابدعت هذه الملحمة الخالدة، المنار الذي أضاء الطريق أمام المغرب المستقل الوفي لمبادئه المتشبث بوحدته والتواق للحاق بركب الامم المتقدمة. وسيرا على نهج سلفه، خاض الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني، رضوان الله عليه، معركة استكمال الوحدة الترابية، فجرى في عهده استرجاع سيدي ايفني سنة 1969 و الأقاليم الجنوبية للمملكة سنة 1975 بفضل المسيرة الخضراء المظفرة، التي تعتبر حدثا وطنيا عظيما، حيث ارتفع العلم الوطني في سماء العيون يوم 28 فبراير 1976، وجرى تعزيز استكمال الوحدة الترابية باسترجاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979. ويواصل المغرب اليوم الملاحم تلو الملاحم في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي يحرص دوما على الرقي بشعبه إلى مدارج التقدم والحداثة وتثبيت وصيانة الوحدة الترابية وتحصين الانتقال الديموقراطي وترسيخ مبادئ المواطنة الملتزمة، وتحقيق التنمية الشاملة وتعزيز مكانة المغرب على الصعيد الدولي كبلد ذي حضارة عريقة متشبث بقيم العدل والتسامح والسلام .