يشكل شهر رمضان المبارك مناسبة روحانية بامتياز، تتآلف خلالها قلوب المؤمنين الذين يملأون بيوت الله بصلواتهم وأذكارهم على مدى فترات مختلفة من اليوم، وحين يرخي الظلام سدوله، تختلف الوجهات متلمسة أشجى الأصوات وأعذابها، مبتغية بذلك الاجر والثواب. ويعتبر مسجد "سوريا" بمدينة طنجة، المعروف أكثر لدى ساكنة المدينة ب"جامع السوريين"، اكثر الوجهات التي يقصدها المصلون لأداء صلاتي العشاء والتراويح، من مختلف أنحاء مدينة البوغاز، وهو ما يظهر من خلال مئات الصفوف المشكلة من آلاف المصلين، الذين لا يجد الكثير منهم مكانه داخل المسجد او في باحته، فيقومون بتسوية صفوفهم وسط الحدائق المحيطة في قالب من الخشوع والإنابة. استمد مسجد "السوريين" تسميته من الحي الذي يوجد فيه وسط المدينة، وأيضا من جنسية العائلتين اللتين أشرفتا وتكفلتا ببنائه وتشييده، يتعلق الأمر بكل من عائلة "ططري الحلبي" و"ترجمان الدمشقي"، المقيمتين بمدينة طنجة، منذ عقود طويلة، وكهدية "رمزية" للمملكة المغربية، التي أوفدت جنودها لنصرة الأشقاء السوريين في حرب الجولان قبل 35 سنة، ستأخذ العائلتين، وبمباركة من الملك الراحل الحسن الثاني، على عاتقها مبادرة تشييد هذا المسجد ليظل منذ تلك الفترة، معلمة إيمانية تشع روحانية يزداد فيح عبيرها خصوصا في شهر الله المعظم، شهر رمضان. ولعل الصوت الشجي الذي ينبعث من مكبرات الصوت المثبتة في مئذنة المسجد ذات التصميم المعماري الشامي، وفي أركان متفرقة من المسجد، يعتبر أكثر ما يجذب المصلين من مختلف أنحاء مدينة طنجة إليه. حيث يتفانى إمامه الشاب "يونس الواسني" في إضفاء مسحة إيمانية تمتد نفحاتها على نطاق واسع في حي السوريين والأحياء المجاورة له. إنها الساعة الثامنة والنصف مساءا، عشرات من الرجال والنساء والشباب، يترجلون في فضاء ساحة الجامعة العربية (رياض تطوان) باطمئنان ملحوظ، فالمنطقة في هذه اللحظة شبه مغلقة في وجه حركة السير بسبب مئآت السيارات والعربات التي اكتظت بها المواقف المخصصة لها، فاضطر أصحابها إلى ركنها في أي مكان يرونه مناسبا. المسجد تلوح أنواره ساطعة تضيء فضاء الحديقة المجاورة التي سيقوم أعداد كبيرة من المصلين بافتراش أرضيتها وعشبها، لكون الفضاء الداخلي للمسجد وأيضا باحته، قد غصتا بأعداد هائلة من مصلين سبقوا أقرانهم، فالجميع يحرص على المجيء لهذا المسجد في وقت مبكر قدر الإمكان للظفر بأقرب صف من الإمام، "أجيء من حي بعيد إلى جامع السوريين نظرا لما يتوفر فيه من شروط راحة قلما تتوفر في باقي مساجد طنجة"، يقول أشرف، شاب عشريني في العمر، قبل أن يضيف موضحا أن طبيعة هذا المسجد ليست وحدها من تجذبه إليه "المقرئ ما شاء الله عليه ما يخليكشي تسخى من الصلاة". نفس الأمر يدفع "سارة" إلى اختيار هذا المسجد لأداء صلاة العشاء وصلاة التراويح، "المقرئ و ديك الجو الروحاني"، تقول سارة. يمتلئ محيط مسجد "السوريين" رويدا رويدا، وفي غمرة حرص المصلين على تنظيم صفوفهم، يرتفع آذان العشاء بصوت شجي يلامس أفئدة المؤمنين، فيجعلهم أكثر إقبالا على مناجاة رب العالمين والتضرع إليهم بأن يتقبل طاعاتهم وصالح أعمالهم في هذا الشهر المبارك.