في ظرفية الربيع العربي وإعلان المغرب عن دخوله تجربة ديمقراطية جديدة كرستها تعديلات دستورية وانتخابات تشريعية عامة، أفرزت عن فوز حزب العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي(#)، بأغلبية غير مريحة؛ أرغمته من قيادة حكومة ائتلافية مع بعض الأحزاب سبق لها أن ساهمت في تجارب الحكم سابقا. منذ ذاك الحين وضعت الحكومة، وبالأخص حزب العدالة والتنمية، تحت مجهر الشعب؛ الذي يترقب بلهف ماذا ستنتج عنه هذه التجربة، وهل سيستطيع تخطي الصعاب ويفلح في اجتثاث الفساد وكسر طوق اللوبيات المحتكرة لخيرات الشعب وثرواته المختلفة، وخصوصا في تعميق التجربة الديمقراطية الجديدة وإنضاجها وفق مقتضيات الدستور المعدل تحت ضغط الشارع العربي وربيعه، ويمكن المغاربة من تحقيق نمو مرموق واقتصاد الوفرة والكفاية وحياة العدالة الاجتماعية الحقة. خطت الحكومة خطواتها الأولى برئاسة حزب العدالة والتنمية وولجت محيط الصعاب المتعددة، علها توفي بوعودها التنموية المعلنة إبان حملة الانتخابات التشريعية الأخيرة وفي برنامج الحكومة الائتلافية، وهي كلها حماس وجرأة وتفاؤل وثقة؛ جعلتها تبدأ بفتح ملفات الفساد، وأخذ بعض الإجراءات؛ ظاهرها غير شعبي، استغلتها بعض الأصوات المعارضة والمغرضة لبث روح الشك ونشر قراءات منبثة؛ القصد منها التشويش على العمل الحكومي وتثبيطه والتشكيك فيه، لعلها تثني العدالة والتنمية عن السير الثابت نحو اجتثاث الفساد وتعقب المفسدين الضالعين لمحاسبتهم وعقابهم؛ لأنهم نهبوا البلاد والعباد وعاثوا في الأرض علوا واستكبارا منذ استقلال البلاد... ومن المؤسف المضحك في نفس الوقت، أن الهجمة الشرسة لأذناب الفاسدين المفسدين تعاقبت على الحزب لإضعافه والنيل منه، لكن هذه المرة من داخل مؤسسات الدولة الدستورية نفسها وعبرها، متضرعة في هذا بالدستور ومتأولة لبعض بنود مدونة الانتخابات ومصدرة لحكم نهائي مجتث لا تبرير له - حسب أهل الاختصاص- دستوريا وقانونيا. فعلا إذا تأملت هذا الحكم- وإن لم تكن من الخبراء- تعلم على التو أن الأمر لا يعدو أن يكون حسابا سياسيا محضا لا يستند على أي أساس قانوني؛ ويوحي إليك أنك في دولة علمانية؛ إذ نسي أعضاء المجلس الموقرأو تناسوا أننا في بلد إسلامي بامتياز بنص الدستور المتعلل به؛ ملأت آفاقه الصوامع وتفشت الرموزية الدينية بشتى أشكالها: في تبوغرافيته وهندسته المعمارية الأصيلة. كيف يعقل إذن أن يقرر بطلان حق الحزب في ثلاث مقاعد على مستوى دائرة طنجة-أصيلة بمجرد الحكم على صورة التقطت لمرشحي الحزب داخل هذه الدائرة، إبان حملة الانتخابات التشريعية العامة الأخيرة، تضمن منظرها العام صومعةّ؟ من غير أن يتساءل - ببداهة الفقيه الموضوعي- هل فعلا استعملت ووظفت هذه الصومعة لإبداء وإشهار الصبغة الإسلامية لهذا الحزب؛ فيكون الحزب قد خرق فعلا القانون وسقط في المحذور، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون لقطة لإدماج المرشحين في الصورة العامة للمدينة القديمة؛ المعروفة بأصالتها الإسلامية ؟ لا شك أن إعادة الانتخابات على مستوى طنجة-أصيلة والتنافس على المقاعد المنزوعة ظلما وعدوانا منه ستضع كل أطراف المشهد السياسي المغربي –بالأخص حزب العدالة والتنمية- على محك الامتحان أمام الناخب وأمام الرأي العام المحلي والقطري. لاشك أن حزب العدالة والتنمية في حاجة لمعرفة مدى رسوخ شعبيته بعد مرور بعض الشهور من ولوج تجربة الحكم؛ لهذا سيوظف كل طاقاته وكفاءاته لدعم مرشحيه الثلاث لعله ينجح في استرجاع حقه والتأكيد لكل مغرض ومناور ومتآلب أن جذور هذا الحزب وعمقه الاستراتيجي الشعب؛ فهو عمدته ومصدر شرعيته ومشروعيته. الأمر ليس بالسهل؛ فالأحزاب الأخرى –خصوصا أحزاب المعارضة للحكومة- متواجدة بقوة بهذه الدائرة الانتخابية؛ لهذا لن تسمح بتكرار مشهد الانتخابات العامة، حيث حصد حزب العدالة والتنمية القسط الأوفر من أصوات الناخبين، برهن فيه عن مدى تجدره في الشرائح الاجتماعية المختلفة. لهذا نحسب أن التنافس سيكون شرسا والصراع محتدما بين الأطراف المختلفة. نحسب أن التحدي أمام هذا الحزب كبير ومضاعف؛ فالمنافسة من جهة -كما أشرنا آنفا- ضارية لمنعه من التقدم وتحقيق برنامج حكومته، ولوبيات الفساد مقاومتها عتيدة وهجماتها شرسة، ونزعم أنها لن تستسلم بسهولة؛ لأنها تعلم علم اليقين أن في ذلك حذفها وفناؤها. والشعب من جهة أخرى حذر ومتوجس؛ لأنه فقد ثقته في كل حاكم،وسئم من الانتظار؛ فصم آذانه عن كل الخطابات الرنانة الفارغة والوعود الكاذبة، وعزف عن كل مشاركة سياسية، وأدار ظهره لصناديق الاقتراع، معبرا عن معارضته بصمته، وإن كان يترقب في كل مرة طالع هذه الصناديق لعل المعجزة تأتيه منها من غير مذلته ولا سخرية من أحلامه. فالعزوف إذن أكبر تحدي في الانتخابات العامة وهو في الجزئية - نظن - أكبر؛ لأن الدعاية التحميسية الرسمية تكون ضعيفة مركزيا و محليا...لهذا لابد أولا من إعادة خطاب تحميس وتشجيع وتعبئة المواطنين لحثهم على المشاركة والذهاب إلى صناديق الاقتراع قصد التعبير عن أصواتهم ضد الفساد والاستبداد. لابد كذلك من تغطية مكثفة للدوائر التي عبرت عن أصواتها لصالح تغيير الأوضاع قصد طمأنتها وضمانها. ولا بد أخيرا من الوصول إلى المناطق النائية والمهمشة والمحرومة ؛ حتى تنزع من نهش مشتري الذمم ومستغلي الفقر والحرمان. كل ذلك علنا نبث الأمل في الشعب، ونعيد -لا أقول الثقة إليه ؛ لأن هذه كالبكارة، إذا فقدت لا تعوض- بل فقط إقناعه بالتعبير إيجابيا عن رأيه واختياراته عبر صناديق الاقتراع، لتتضافر الجهود وتلتحم الطاقات لاقتلاع جذور الفساد المستشري في كل قطاعات الدولة. حينئذ فقط نبدأ الإصلاح وتنطلق خطوات التنمية الحقيقية.