في سياق تعزيز آليات الحكامة الجيدة وترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة، تواصل الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها الاضطلاع بأدوارها الدستورية كجهاز مستقل مكلف بتتبع وتقييم السياسات العمومية في مجال مكافحة الفساد، واقتراح التدابير الكفيلة بالوقاية منه والحد من مظاهره. وتعتبر الهيئة فاعلا محوريًا في المعركة المؤسساتية ضد آفة الرشوة، حيث لا تقتصر مهامها على المتابعة أو التقارير، بل تضع ضمن أولوياتها مقاربة شمولية تدمج البعد التربوي والثقافي والتحسيسي، انطلاقًا من قناعة مفادها أن الوقاية والاستباق توازيان في الأهمية أدوات الزجر والعقاب. وفي هذا الإطار، عيّن الملك محمد السادس، يوم الإثنين 24 مارس 2025، محمد بنعليلو رئيسًا جديدًا للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في خطوة تعكس التوجه الملكي لإعطاء دينامية جديدة لهذه المؤسسة الدستورية، وتعزيز أدائها في التنزيل الفعلي للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. ويأتي تعيين بنعليلو، المزداد سنة 1975 بجماعة موقريصات (إقليموزان)، تتويجًا لمسار قضائي وإداري حافل، تدرّج فيه داخل مختلف أجهزة العدالة، حيث عمل قاضيًا بالمحكمة الابتدائية بطنجة، ومحكمة العدل الخاصة السابقة، ثم بمحكمة الاستئناف بالرباط، قبل أن يشغل مناصب مركزية بوزارة العدل، من بينها مدير ديوان وزير العدل ومستشار في السياسة الجنائية، ثم مدير الموارد البشرية ومدير الدراسات والتعاون والتحديث. كما راكم بنعليلو تجربة نوعية في مجال الوساطة المؤسساتية، من خلال إشرافه على مؤسسة وسيط المملكة، حيث أبان عن قدرة كبيرة على التواصل مع المواطنين، والتفاعل مع الشكاوى والطعون المرتبطة بالإدارة، واتخاذ مواقف واضحة تُعزز منطق المساءلة وجودة الخدمات العمومية. ومن أبرز محطات تدبيره الناجح، إدارته لملف إضرابات طلبة الطب والصيدلة، التي شكلت اختبارًا حقيقيًا لقدرات الوساطة والتقريب. ويُرتقب أن يشكل تعيين بنعليلو انطلاقة جديدة لعمل الهيئة، تقوم على تعزيز استقلاليتها، وتطوير أدوات اشتغالها، وتمتين علاقاتها مع مختلف مكونات السلطة القضائية والهيئات الرقابية، بهدف توحيد الجهود في مواجهة الفساد الإداري والمالي، في انسجام مع الطابع الاستراتيجي الذي تكتسيه محاربة الرشوة في مسار بناء