قبل أيام، ترجل المشاركون في موسم أصيلة الثقافي الدولي، من مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، نحو حديقة رابضة على جانب باب القصبة التاريخي. والمناسبة كانت إحياء ذكرى واحد من أعلام الموسم الثقافي الذي بلغت عدد دوراته الاربعين. حديقة "تشيكايا اوتامسي"، نسبة إلى الشاعر الكونغولي، جيرالد فيليكس تشيكايا أوتامسي (1931-1988)، الذي ظل منذ لحظة حلوله بهذه المدينة سنة 1981، هائما في عشقه وحبه لها. غير ان ان هذه الحديقة الذي تخلد ذاكرة هذا العلم الأدبي كما تخلده جائزة تحمل اسمه أيضا تمنحها مؤسسة منتدى اصيلة للشعراء الشباب، ماهي الا واحدة من سبع حدائق غناء تحمل أسماء سبعة من أهرمات الفكر والثقافة والإبداع، تتوزع بنسق جميل في مناطق مختلفة من أصيلة. على الجانب المقابل لحديقة "تشيكايا اوتامسي"، مساحة صغيرة، يفوح وسطها عبير الزهر والنبات الموزع على جنباتها بعناية كبيرة، سرعان ما يمتزج بأريج أجمل ما جادت به قريحة أحد هؤلاء الأعلام الخالدة أسماؤهم في أصيلة. بلند الحيدري، شاعر عراقي رحل إلى دار البقاء سنة 1996، تاركا عطاء أدبيا غزيرا، ما زالت بعض شذراته منقوشة على نصب تذكاري، يبدو من خلالها كأنه يغازل هذه المدينة، لا سيما المقطع القائل " انتظري يا نجمة فجري.. ها أنا ذا آت من آخر ما تحمل مرآتي من ذكرى". وغير بعيد عن ساحة واد المخازن، تنبسط حديقة أخرى على مساحة واسعة، تحمل اسم المفكر المغربي، محمد عابد الجابري، الذي أثرى الساحة الفكرية العربية بعطاء غزير منذ ستينيات القرن الماضي، إلى أن اختطفته يد المنون سنة 2010، ليبقى اسمه حاضرا في وجدان المفكرين والكتاب، مثل حضوره في هذا الفضاء الشاسع من أصيلة. وعلى مقربة من ساحة محمد الخامس، توجد كذلك حديقة باسم الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وكأن أصيلة تريد أن تقول للجميع، إن درويش، الذي كان يمشي خلال حياته منتصب القامة ومرفوع الهامة، ما زال كذلك حتى اليوم . ولا شك أنه نفس المغزى من تسمية حديقة أخرى باسم الكاتب والروائي السوداني، الطيب صالح، الذي حمل خلال حياته لواء "موسم الهجرة إلى الشمال"، وأعمال أدبية عديدة. ولأبناء أصيلة المبدعين أيضا، نصيب وافر من الوفاء والخلود في مسقط رأسهم، والحديث هنا عن الشاعر والكاتب الزيلاشي، أحمد عبد السلام البقالي. وعلى إطلالة من بوابة مكتبة الأمير بندر بن سلطان، تنبسط حديقة الكاتب المغربي محمد عزيز الحبابي، في مشهد وفاء يجسده هذا التجاور بين معلمة ثقافية حديقة غناء ترفرف فوقها روح هذا الهرم الأدبي، كما يرفرف الطير في سماء أصيلة منتشيا بهوائها وبحرها وحدائقها الخضراء.