قد نكون يوما ما فقدنا الأمل في شعب اعتقدنا لحظتها أنه خنوع مستسلم يستحق كل ما يجري له، إذا ما انتابنا سابقا شعور كهذا فغالبا بسبب الإحباط الذي تولده تعدد هزائمنا. إن الشعب المغربي هو أكثر شعوب المنطقة انتفاضا واحتجاجا فقبل أن تندلع أي ثورة عربية كان المغرب يغلي لدرجة أن قيام ثورة شعبية لن تكون بالأمر المفاجئ، ففي الأمس القريب فقط انتفضت مدينتي سيدي إفني وصفرو وشهدت مدينة العيون حركة احتجاجية نوعية اقدم عليها جزء من ساكنتها تمثلت في تنصيب مخيم كديم إزيك، ناهيك عن احتجاجات عمالية واضرابات قطاعية ومعطلين عن العمل يقدرون بالآلاف في مواجهة عصي قوات الأمن سواء في الساحات العمومية بالعاصمة أو بمدن أخرى، إن الاحتجاجات والانتفاضات المشار إليها لم يواجها النظام بالورود بل استعمل كعادته أدوات قمعه الشرسة التي وصلت لدرجة محاصرة أحياء سكنية بكاملها وتعنيف قاطنيها واقتحام البيوت والتحرش بالنساء واعتقالات بالجملة .
مباشرة بعد اندلاع أولى الثورات العربية عرفت بلادنا انطلاق حركة 20 فبراير التي غطت مسيراتها معظم المدن و القرى المغربية والجديد فيها هو التفاف المواطنين حولها مما أعطاها شرعية شعبية لم تتوفر لأي حركة سابقة لها، فاستشعر النظام الخطر مما جعله يهب لإجراء تعديلات شكلية -تخديرية- في الدستور والدفع بانتخابات ناقصة الشرعية من الناحية الشعبية مكنت حزب العدالة والتنمية "الإسلامي" من اعتلاء منصة رئاسة الحكومة، غير أن ما يحز في النفس هو أن حركة العشرين أصيبت بمرض الجمود السياسي بسبب تجريد نفسها بنفسها من أدوات المناورة السياسية فأصبحت تدور في حلقة مفرغة مما انقص من وزنها الشعبي وتأثيرها السياسي .
دخلت سنة 2012 التي حملت معها مجموعة من الآمال -لدى محدودي التفكير أو المصابين بخلل أو قصور في وظائف الدماغ الأساسية- بإمكانية حزب العدالة التنمية أن ينقل المغرب من بلد الحكَرة إلي الديمقراطية، إلا انه سرعان ما أصيب الحالمين بالخيبة بعد أن عنف شباب مدينة تازة وما رافق ذلك من ممارسات مخزنية بالية كتحقير المواطنين و إهانتهم وتهديد نسائهم بالاغتصاب واقتحام بيوت العائلات و العبث بالممتلكات الخاصة وتهميش رؤوس المحتجين بكل وحشية و اعتقالات بدون أي ضوابط قانونية .
إن المغاربة رغم كل هذه الأشكال الاحتجاجية النوعية لم يستطيعوا أن ينتقلون من نظام مخزني عتيق واستبدادي إلي نظام وطني عصري وديمقراطي مما يطرح اكثر من تساؤل عن سبب ذلك فهل يعود الأمر إلي كون معظم هذه الانتفاضات تحدث في مناطق الهامش المغربي مما يسهل عملية القضاء عليها ؟ أو أن تمكن المخزن من بث روح الكراهية بين المغاربة بسب انتمائهم اللغوي أو الجهوي منعهم من التضامن فيما بينهم (سوسي، ريفي، عروبي، شلح، صحراوي ...)؟وهل انبطاح السياسيين للمخزن له دور في وئد الحركات الاحتجاجية الجماهيرية التي لا تجد من يأطرها و يساندها بمناضلين محترفين سياسيا وميدانيا يقوون من عزيمتها لبلوغ أهدافها الكبرى؟ أم أن الحركات الاحتجاجية التي تنطلق نتيجة مطالب اجتماعية لا يمكنها أن تحقق أي اختراق بسبب غياب شق المطالب الديمقراطية؟
إن الأسئلة تتعدد والإخفاقات تتعدد أيضا والبؤس يستفحل وعصا القمع تزداد سمكا والموت حرقا اصبح عادة والكذب في القنوات العمومية بدونه نصاب بالصداع، والإهانة ستنضاف يوما إلي هويتنا و الحكَرة دخلت قاموسنا اللغوي اليومي فهل من أمل يلوح في الأفق؟