لم تأتي انتخابات المجلس الجهوي للسياحة بطجة بجديد، بل كرست مفهوم الكراسي الخالدة، لأشخاص فشلوا فشلا ذريعا في رد الاعتبار لمدينة أصبحت تقتل السياحة في المغرب بفشلها في تسويق ما تزخر به من معالم تاريخية، وطبيعة جذابة، وأماكن لم يكف المؤلفون وكتاب الروايات عن تطريز إصداراتهم بها. أماكن ومواقع تنطق التاريخ بلسان المثقفين والفنانين الذين فتنتهم عروس البوغاز، وأسرت قلوبهم وإبداعاتهم، لدرجة أنهم كانوا يعتبرون العالم وحده، وطنجة عالم آخر. مؤهلات قل نظيرها بمدن مغربية أخرى، وقدرات تمكن أي مدينة لأن تكون الوجهة الأهم للسياح الأجانب، إلا طنجة المحروسة بعين الله، والمرصودة بأعين المنتهزين والفاشلين، الذين برهنوا في كل محطة أنهم لا يفقهون. وعندما نقول أن طنجة تقتل السياحة في المغرب، فإننا نعني أن فشل تسويق طنجة سياحيا بما لها وما فيها، هو حتما فشل للسياحة في المغرب ككل، لأن المدينة لا تقل قيمة تاريخية وجغرافية عن أهم القبلات السياحية بالعالم، وبالتالي كان من الفروض أن تكون على رأس قائمة الوجهات التي يفضلها السياح من مختلف الأقطار، لا أن تكون مدينة للعبور فقط نحو مدن مغربية أخرى، استطاعت أن تتبوأ مراتب أولى في هذا المجال، بالاعتماد علر أرصدتها التاريخية، وتوظيف كل ما من شأنه جذب الزوار إليها، من طبيعة مناخية وجغرافية وبشرية…، ونقف هنا لنتسائل جميعا عن سر هذا التراجع المتسارع، وهذا الركود السياحي الذي لا يلائم طبيعة التطور الذي تعرفه المدينة على مستويات مختلفة. الجواب يكمن في العقليات طبعاً، أناس يقومون على تدبير الشأن السياحي، لاهم لهم سوى التباهي بفنادق خمس نجوم، والسيجار الكوبي، وكأوس النبيذ المستورد، ووجبات من الطبخ الفرنسي والإسباني… وحفلات موسيقية على إقاعات الروك والسامبا والبوب… ناسين أو متناسين أن تسويق طنجة سياحيا مقترن بالتسويق للمنتوج المحلي أولا. وأن الأجانب يأتون إلينا ليعيشوا لحظات مغربية الطباع، لا على إيقاع نمط عيشهم ببلدانهم. وهنا بيت القصيد. منذ أيام قلائل، كانت طنجة على موعد مع استقبال وفد يمثل مجموعة من منظمي المؤتمرات والمعارض والحفلات، وعدد كبير من ممثلي وكالات الأسفار المتخصصة، قدموا من باريس باتفاق مع المكتب الوطني للسياحة، ليتعرفوا على المدينة وقدراتها السياحية، وبحث سبل تسويقها. وطبعا تم تكليف المجلس الجهوي للسياحة بجهة طنجةتطوانالحسيمة بمرافقة الوفد، وتسهيل عمله، وتقديم ما يمكن أن يفيد المدينة في هذا الباب. وكما يقول المثل ” من الباب تعرف الجواب ” غاب أعضاء المجلس عن استقباله بمطار طنجة، في حين تكلف المندوب الجهوي للسياحة بذلك. وقام بالواجب، إلى أن أوصل ضيوف المدينة إلى الفندق الفخم الذي أُنزلوا. وطبعا قضوا مدة إقامتهم على أحسن وجه، تناولوا خلالها ما لذ وطاب من المطبخ التونسي والأوروبي، وناموا داخل غرف تضاهي ما تحويه الفنادق العالمية، واستمعوا للأغاني الغربية… وجاءت لحظة العمل، لقاء مع المسؤولين عن السياحة بالجهة، بدأ بعرض شريط مصور، حلق بالوفد الأوروبي فوق ربوع المملكة، لم يترك منطقة سياحية بالمغرب إلا ومر عليها بسخاء، إلا طنجة، فلم يُظهر منها الشريط سوى مغارة هرقل في ثوان معدودات. فصدم الوفذ، وثار بعض من أعضائه في وجوه المسؤولين، أين طنجة من هذا الشريط يا سادة؟ لقد جئنا لنتسوق طنجة، أنزلتمونا في فندق فخم لدينا في أروبا أفخم منه، وكنا نظن أنكم سننزلوننا في دور للضيافة التي نسمع عنها، ونود التعرف عليها وتسويقها. أطعمتمونا من المطبخ التونسي والأروبي، حتى كدنا ننسى أننا في طنجة، وكنا نفضل الطاجين المغربي، والأكلة الشعبية للمنطقة. عرضتم علينا شريطا بحثنا فيه عن طنجة فلم نجدها، ما لهذا جئنا، وما كان هذا غرضنا !. طبعا كان الموقف محرجا بالنسبة للقائمين على هذا اللقاء المهزلة، ولم يجدوا مبررا يدافعون به عن فشلهم سوى أن الشريط يظهر مغارة هرقل التي تفيد طنجة، وكأن طنجة ليس بها من معالم سياحية سوى هذه المغارة..!. مشهد ذكرني بكليب أغنية ريدوان التي أقامت الدنيا، وطبل لها الجميع، باعتبارها تروج للسياحة بالمغرب، ظهرت فيها كل المدن المغربية بسخاء أيضا، إلا طنجة التي لم نرى منها فيه سوى لقطة محتشمة لشاطئ أشقار، يصعب التعرف عليه من خلالها إلا من رواده، دون كتابة اسم المدينة كما كان الشأن بالنسبة لباقي المدن الأخرى. إنه الاحتقار بعينه، والإقصاء الممنهج الذي لازالت المدينة تعاني منه، خصوصا على المستوى السياحي. عاد الوفد من حيث أتى، وانتشر أعضاء السي إر تي في الأرض، وشغلهم الشاغل كراسيهم بالمجلس الذي كان يهيء لتجديد مكتبه. ومرت الانتخابات، وخلد المخلدون فوق كراسيهم، ويكفي طنجة أن بها مغارة هرقل، وفندق خمس نجوم يقدم وجبات من المطبخ التونسي. وسلام على السياحة ورحمة الله.