يعرف مجلس مدينة طنجة وضعا غريبا منذ أزيد من سنتين، فالعمدة فؤاد العماري تم تنصيبه على رأس الجماعة الحضرية من قبل الهمة ومزوار وأخيه إلياس العماري شخصيا خلال سنة 2010، في إنزال وصف حينه بأنه تاريخي ويؤسس لمرحلة حاسمة في تاريخ تدبير الشأن المحلي. وقبله تم تنصيب علال السكروحي، المقرب من إلياس العماري، مديرا عاما للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، وهو المنصِب الحساس الذي يتحكم في ميزانيات الجماعات المحلية وفي مصير مجالسها ورؤسائها، ويسير حسابات خصوصية بقيمة إجمالية تفوق 30 مليار درهم لها علاقة بتمويل الجهات والجماعات الترابية، مما يعني فسح المجال لإنجاح تجربة رؤساء الجماعات الترابية المنتمين للأصالة والمعاصرة، وبشكل خاص عمدتي طنجة ومراكش. غير أن رياح السياسة بمدينة طنجة لم تجري كما يشتهي العمدة وعرابوه مركزيا ومحليا، فأول امتحان واجهه هو فقدانه بصفة سريعة للأغلبية التي أُرغمت على التصويت عليه كرئيس للجماعة، بحيث انقلبت غالبية أعضاء أحزاب الأحرار والاتحاد الدستوري عليه، ولم تعد دورات المجلس تعقد في وقتها القانوني، ولم يعد فؤاد العماري يجرؤ حتى على جمع المكتب المسير، فأحرى أن يحل الإشكالات الكبرى التي تعاني منها المدينة. ولم يسعف العمدة فؤاد العماري قربه من المدير العام للجماعات المحلية بوزارة الداخلية وتحالفه مع الإدارة الترابية بطنجة لتمرير مشاريعه السياسية بمدينة طنجة، وتعتبر دورة فبراير لسنة 2010 نقطة فاصلة في مسار رئاسة الأصالة والمعاصرة لمجلس مدينة طنجة، بحيث تم رفض الحساب الإداري للعمدة بإجماع الأعضاء الحاضرين وامتناع عضو واحد من مستشاري البام بالمجلس. وبالرجوع لتقرير لجنة المالية، والذي يعتبر أساس التصويت بالرفض، نجد عددا من الخروقات والاختلالات التي تعتبر جرائم مالية قد تم تسجيلها في تدبير العمدة خلال سنة 2010، وبصفة خاصة منذ انتخابه على رأس الجماعة. وقد كان الجميع ينتظر إحالة الحساب الإداري، بعد التصويت السلبي عليه، على المجلس الأعلى للحسابات للنظر فيه والتحقيق في مضامينه والبت في عناصره، إلا أنه مع مرور الوقت بدأ صمت مريب يميز هذه القضية، بحيث لم تقم وزارة الداخلية بتطبيق القانون وإحالة الحساب الإداري على المحاكم المالية كما ينص على ذلك القانون. فالميثاق الجماعي ينص في المادة 71 على أنه بمجرد رفض الحساب الإداري يتم تطبيق مقتضيات مدونة المحاكم المالية، والتي تنص المادة 143 منها صراحة على أن وزير الداخلية يقوم بإحالة الحساب الإداري بصفة تلقائية، وبمجرد رفضه من قبل المجلس الجماعي، على المجلس الجهوي للحسابات الذي يلزمه القانون بدوره بالبت فيه خلال شهرين من تسلمه وهو الاختصاص المخول أيضا لوالي الجهة وعامل عمالة طنجة أصيلة. يمكن للمجلس الجهوي للحسابات إذا اكتشف خروقات مالية أن يفتح مباشرة المسطرة القضائية ومسطرة التأديب المالي وفتح تحقيق قضائي في هذه الخروقات، كما يمكنه إجراء تحقيقات ميدانية وعلى الوثائق لدى الجماعة للتأكد من الوقائع، وعلى إثر فتح هذه المسطرة قد يصل الأمر إلى إصدار عقوبات قضائية أو حتى إحالة الأمر على المحاكم الجزائية لفتح تحقيقات في الاختلاسات أو الجرائم المالية عند وجودها. وقد كان يُفترض أن تقوم وزارة الداخلية، وخاصة المديرية العامة للجماعات المحلية، بإحالة الحساب الإداري لمجلس مدينة طنجة على المجلس الجهوي للحسابات مباشرة بعد دورة فبراير 2011، إلا أن المحكمة المالية المعنية لم تتوصل لحد الآن بهذا الحساب، مما يعتبر مخالفة صريحة للقانون من قبل وزارة الداخلية وولاية طنجة. فإذا ما استحضرنا السياق الذي تم فيه تعيين المدير العام للجماعات المحلية؛ وبالنظر لما يتضمنه تقرير لجنة المالية بمجلس المدينة من تشخيص دقيق للاختلالات المالية ولأوجه الإنفاق المالي غير القانوني ولاستعمال أموال الجماعة بطريقة غير مشروعة؛ وبالنظر لكون فؤاد العماري عمدة طنجة هو في نفس الوقت الأخ الأصغر لإلياس العماري والمنسق الجهوي للأصالة والمعاصرة؛ فإن عدم إحالة هذا الحساب الإداري، الذي يدن بشكل واضح عمدة طنجة فؤاد العماري، يثير الشبهات بشكل سافر حول الخلفيات الحقيقية لهذا التقاعس من قبل وزارة الداخلية والمديرية العامة للجماعات المحلية، خاصة وأن ملفات مشابهة وأقل أهمية تعرف تحركا سريعا للمفتشية العامة للإدارة الترابية وتكون نتيجتها عزل الرؤساء وإحالة ملفاتهم على القضاء. لذا يعتبر هذا التقاعس من قبل وزارة الداخلية في تطبيق القانون مؤشرا خطيرا على ما يحدث بين الجماعات الترابية وبعض مسؤولي الوزارة الوصية، خاصة على ضوء الشبهات التي تحيط بعلاقة المدير العام للجماعات المحلية بالرجل القوي في حزب الأصالة والمعاصرة والأخ الأكبر لعمدة طنجة، وهو ما قد يفهم منه نوع من التواطؤ على حماية عمدة طنجة والتستر على فضائحه، خاصة وأن الانتخابات الجماعية على الأبواب. وينتظر أن تشهد دورة فبراير القادمة شوطا آخر في سياق محاسبة تدبير العمدة فؤاد العماري، خاصة وأن مجموعة من الاختلالات تم رصدها خلال سنة 2011، تبدأ من مجال التعمير وفوضى الرخص، والتدبير السيء للمرافق الجماعية والتلاعب بالصفقات العمومية، والتعاقد خارج القانون مع شركة النقل أوطاسا، والتعاقد مع مكتب دراسات غير معروف لإعداد مخطط التنمية بقيمة تتجاوز 5 ملايين درهم، والزيادة غير القانونية لشركة النظافة تيكميد بمبلغ يفوق ملياري سنتيم. فهل ستطبق وزارة الداخلية القانون؟ أم تستمر في حماية العمدة فؤاد العماري والتستر على فضائحه وخروقاته؟