هم أزيد من 170 طفلا في عمر الزهور، خرجوا من رحم المعاناة إلى فسحة الأمل ورحابة الحياة بفضل خدمات مركز التربية غير النظامية للأطفال في وضعية إعاقة بعمالة المضيق - الفنيدق، الذي رأى النور بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وشركاء عديدين، توحدهم خدمة قضية الإعاقة. قد تقسو الحياة وتصاريف القدر، لكن تضامن أيادي الخير والإحسان جاءت لتنتشل هؤلاء الأطفال من دركات النسيان والتهميش، تربت على أكتافهم، تأخذ بأياديهم نحو فصول التربية والعلم، ليلجوا مدرسة الحياة، مشحوذين بعزيمة لا تنكسر، وإرادة كالصخر، تفتت عقبات الإعاقة، لتعبد الطريق نحو مستقبل أفضل. بمركز التربية غير النظامية للأطفال في وضعية إعاقة بمدينة مرتيل، الذي تديره جمعية الأوائل ويستقبل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تفوق أعمارهم 6 سنوات، توجد وحدات لتقديم خدمات التربية الخاصة والتدرج والتكوين المهني والهدر المدرسي والترويض الطبي لفائدة 171 طفلا يعانون من مختلف أنواع الإعاقة الحسية والذهنية والحركية والمركبة. ويقول الشاب محمد الذهبي، الذي يعاني من إعاقة حركية، إنه ب "فضل المركز استطعت العودة إلى الدراسة بعدما غادرت الفصل مضطرا في مستوى التاسعة إعدادي"، مضيفا بنوع من التفاؤل "أحس الآن أنني أحسن حالا، إلى جانب الدراسة، أستفيد من خدمات أخرى كالترويض الطبي والتكوين في الإعلاميات". وجاء دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للمركز، الذي شيد في إطار برنامج التأهيل الاجتماعي المندمج لمدينة مرتيل على مساحة تصل إلى 400 متر مربع، ليعزز من دوره في تأهيل وإدماج الاطفال والشباب ذوي الاحتياجات الخاصة المنقطعين عن الدراسة أو غير الممدرسين في الحياة العامة، وتوفير فضاء تكويني. في السياق ذاته، أبرزت إحدى المربيات بالمستوى الثاني من قسم التربية الخاصة أن المركز يقدم خدمات طبية واجتماعية وتربوية متعددة، فالتلاميذ المستفيدون يعانون من إعاقات مختلفة، وكذلك الخدمات داخل القسم يتعين أن تكون متباينة وتراعي نوعية الإعاقة وحدتها، موضحة أن "الاهتمام ينصب أساسا على الجانب التربوي الكفيل بتلقينهم معارف حياتية وقدرات تواصلية تساعد على الاندماج في المجتمع". في هذا السياق، اعتبر رشيد دردابي، رئيس جمعية الأوائل، أن المركز يشتغل على جميع أنواع الإعاقة، وهناك تحسن كبير لدى المستفيدين بفضل الخدمات، مبرزا أنه إلى جانب التربية، تركز مجموعة من الأنشطة على الجانب الرياضي، والذي أهل بطلين بالجمعية للمشاركة في ملتقى دولي لذوي الاحتياجات الخاصة، يرتقب أن ينعقد في العام المقبل بأبو ظبي. ولعل عزيمة الشاب محمد علوش وسعيه نحو المجد الرياضي أقوى من إعاقته الحركية التي ميزته عن أقرانه بالمدينة، فقد أسر إلى وكالة المغرب العربي للأنباء أنه يحترف رياضة الفروسية ويسعى لأن يصبح بطلا للمغرب، وبطلا في ملتقى أبو ظبي الذي شرع في التحضير لمنافساته. إلى جانب مركز مرتيل، تدير الجمعية بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مركزا اجتماعيا ثانيا للأطفال في وضعية إعاقة بمدينة المضيق، متخصص في الإعاقة الحركية العميقة، ويستقبل بدوره 124 مستفيدا، وهو ما مكن المركزين معا، بفضل الأطر ال 34 والمتخصصة في مختلف أنواع الإعاقة، من تغطية جل جماعات عمالة المضيق - الفنيدق، خاصة في ظل توفير خدمة النقل للمستفيدين. يرى دردابي أن المشروع حقق النتائج المرجوة منه، إذ يكفي الاطلاع على تزايد عدد المستفيدين خلال السنوات الأخيرة، لكن الإنجاز الأكبر يكمن في "إخراج عدد كبير من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من مكامنهم بالمنازل لمعانقة الحياة، ودعم الأسر التي تكابد لتربية هذه الشريحة من الأطفال". صقل شخصيات هؤلاء اليافعين على قيم التضحية والبذل والعطاء من النجاحات التي تكتب للمركز، وقد لخصها بكثير من الإيثار الشاب محمد الذهبي حينما قال "لقد عدت للدراسة، وسأسعى للنجاح بكل جد، على أمل أن أحقق في المستقبل شيئا يفيد المركز وكل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة".