ليس بغريب إعلان الاستياء من قطاع الصحة ببلدي، وكثيرة هي الوقائع التي كنت شاهدا عليها، والتي جعلتي أطرح على نفسي العديد من التساؤلات حول جدوى ما يصطلح عليه بالمساعدة الطبية، والمختصرة في بطاقة رامبد، في الوقت الذي تقر فيه الدول التي تحترم شعبها ومنذ زمن طويل نظام الرعاية الطبية، أو الكفالة الطبية، بما أن الصحة واجب من واجبات الدولة، و حق من حقوق المواطن تكفله الدساتير. وبما أن المساعدة الطبية فيها من المعنى ما يفهم على نحو " المَنِّ " و تقديم يد العون، و هو ما يقدم إلى غير صاحب حق. و كيف ما كان الأمر، فإنه يبقى في شكله مهما بالنسبة للمغاربة، في ظل غلاء مصاريف التطبيب والعلاج، وفي ظل قلة ذات اليد، غير أن مضمونه يظل ملفوفا بإشكالات متعدد، تقلل من قيمة المبادرة وأهميتها ونجاعتها، وعلى رأسها الوضع المتردي الذي توجد عليه المؤسسات الصحية العمومية، المسند إليها أمر نتفيذ هذا المشروع، بدءا بالمراكز الصحية المتواجدة بالأحياء، و التي على المواطن الانطلاق منها في مشوار البحث عن العلاج، و هي أشبه ما تكون بمبان فارغة، سواء من الأطر الطبية، أو من الوسائل اللوجيستيكية، ولا يقصدها إلا مجموعة من التلاميذ، بحثا عن شواهد تعفيهم من إجراء التمارين الرياضية، أو لتبرير غياباتهم المتكررة عن الدراسة، وأمهات من أجل تلقيح أطفالهن. ثم وصولا إلى المستشفيات العمومية، و هنا يبدأ المرض الحقيقي. إن للبحث عن العلاج بالمستشفيات العمومية مسار صعب، و ملفوف بالغرائب والعجائب، سواء تعلق الأمر بحامل بطاقة المساعدة الطبية أو غيره، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، و المستشفيات العمومية فاقدة لأشياء عدة، و لا ندري ما نوع المساعدة التي يمكن أن تقدمها للمواطنين، في ظل الوضع المزري الذي تعيش عليه، والذي جعلها محط انتقاذ الكثيرين. مبانٍ مهترئة، خدمات رديئة، أطر دائمة الإضرابات والاعتصامات مع قلتها، أجهزة معطلة باستمرار، صيدليات فارغة، أما النظافة فحدث و لا حرج. المرضى أمام الأبواب بالعشرات، و المواعيد بالشهور، والأولوية طبعا تخضع لنظام المحسوبية، والزبونية، والتوصيات، وأوامر بالهواتف من جهات عليا...و للأمانة فقط، فهناك أناس كثيرون يستفيدون بما فيه الكفاية من المستشفيات العمومية وخدماتها، لكنهم ليسوا من المعوزين، و لا هم في وضعية الفقر القصوى، و لا في وضعية الهشاشة، بل هم ممن أنعم الله عليهم بنعمتي المال والنفوذ، بما يسمح له ممن الاستفاذة من خيرات البلاد أيما استفادة، ونستدل على هذا بما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012، حيت جاء فيه بالحرف " لوحظ خلال المراقبة، أن الجماعة الحضرية لطنجة تقوم باقتناء الأدوية بواسطة صفقات وسندات طلب، وتعمل على توزيعها على المرضى من بين موظفي وأعوان الجماعة، وأولئك الموضوعين رهن إشارة المقاطعات التابعة لها، عبر قسم حفظ الصحة والوقاية، وذلك في غياب أي سند قانوني يسمح بالقيام بهذه العملية، ودون التأكد من حالة العوز عند المستفيدين من هذه الأدوية، ورغم توفر هؤلاء على التغطية الصحية..."، وهذا مثال على استحواذ فئة خاصة على منافع عدة، بما يفيد أن الصحة بالمغرب ليست للجميع، و ما خفي كان أعظم، و كيف ما كان الحال، تبقى بطاقة "راميد" كما تم تسميتها، حقا من حقوق شريحة مهمة من المجتمع المغربي، في انتظار تحقيق وعود الحكومات المتعاقية بالقيام بإصلاح المنظومة الصحية، و تحسين الخدمات الطبية المقدمة بالمستشفيات العمومية، و تقريبها من المواطنين. لكن هل تخلو المسألة من استغلالٍ خدمة لأغراض شخصية، تجارية كانت تدر أرباحا مادية مهمة على اصحابها، أو سياسية ترجح كفة هذا الحزب على ذاك ؟، خصوصا و أن الصراعات الحزبية لم تعد تنتهي باتنتهاء الانتخابات. لقد بات المواطن المغربي ضحية الصراعات السياسية، وفي ظلها يرقد واقع الصحة في غرفة الانعاش، ولا نتوقع معافاته إلا بنهج سياسة الصحة للجميع، الأمر الذي يحتاج إلى قرارات سياسية جريئة، تدفع في اتجاه جعل الاستثمار في هذا المجال من الأولويات، بشكل يتلائم والنمو الديمغرافي الذي يعرفه البلد، والتوزيع الجغرافي لسكانه، مع تنقية القطاع من السماسرة والانتهازيين وعديمي الضمير المهني، الذين لاهم لديهم سوى الاغتناء على حساب أوجاع المواطنين وآلامهم. وأما البلاغات التي نتوصل بها كل يوم عن تدخل مروحيات وزارة الصحة لنقل مصاب من هنا، أوسيدة حامل من هناك...، إلى هذا المستشفى أو ذاك، فهي لا تعكس حقيقة الواقع المزري لقطاع الصحة، الذي تكفي زيارة أي قسم للمستعجلات بأي مستشفى للتعرف على حقيقته عن قرب