هاهي مرة أخرى، معلمة من معالم طنجة تسور بالحديد تمهيدا للإجهاز عليها، ليلتحق بذلك مقهى "بورط" لعقد المعالم التاريخية التي كانت بالأمس تزين جيد هذه المدينة، لا لشيء فقط تغنجا في إسقاط مزيد من العشاق في شركها، فهاهي الكاتبة الأمريكية جيرترود شتاين، تنصح بولز بطنجة عندما زارها بباريس كمكان يوحي بالإبداع. وهكذا كان، منذ أن حل بولز بطنجة سنة 1947 لم يخرج منها إلا محمولا الى القبر، وبعد بولز جاء غيره جون جنيه تينسي ويليامز...وعقد سلسلة المبدعين لا تنفرط. من قال أن حبات عقد هذه المدينة، معالمها، ستتساقط رطبا جنيا كحبات البلح، حبة تلو حبة، لتعوض بحبات لا تمت لتاريخها، في قطيعة تامة مع الماضي، وخير مثال، البنايات والفنادق التي تشيد اليوم بمرينا، قبالة فندق سيسيل، الفندق الذي نزل فيه محمد الخامس بعد عودته من المنفى، حتى هذه المعلمة زاحمها الاسمنت، حيث يمكن ان تلامس الفرق بأم عينيك. وفرق الهوة بين معالم طنجة الدولية مقارنة مع الحاضر، وهكذا بدل أن نختار أقراط وجواهر لتعوض ما انصرم من عقد عروسة الشمال من معالم، نجد أن هناك عملية تزيين للمدينة على غرار باقي المدن مطابقة الحافر للحافر، في الأشجار والإنارة العمومية وحتى الممرات تحت أرضية، عملية تهيئة لا تبالي بالطابع المعماري الدولي لهذه المدينة المتفردة عن باقي المدن المغربية. من قال أن " بورط" أجمل زمرد في العقد، التي كانت بالأمس قبلة لأهل الفن ولرجال السياسة من كل بقاع الأرض، المكان الذي كانت تقارع فيه الأفكار وتناقش فيه أخر الأحداث السياسية سواء الدولية أو الوطنية، قبلة أهل الفطنة سيتحول لقبلة أهل البطنة! بزوال "بورط" نفقد معلمة تاريخية أخرى، كان يمكن أن نوظفها في الترويج للسياحة في طنجة خصوصا والمغرب عموما، المقهى أصلا لا يحتاج من يسوقه، فهو يسوق نفسه بنفسه من خلال الأعمال السينمائية أو الأدبية التي تطرقت للفضاء. خلاصة القول، عندنا في طنجة معالم، لو سوقت حق التسويق، لرأيت السياح طوابير ينتظرون بلهف زيارتها وسماع حكاياتها منها على سبيل الذكر بيرديكاريس، ولكن وكما قيل الزمان كأهله وأهله كما ترى. والأهل هنا من في يده مفاتيح معالم هذه المدينة. والى معلمة أخرى الى زوال!