إقبال كبير تلاقيه المنتوجات "الحلال" بفرنسا في شهر رمضان الكريم من كل عام، ما رفع نسبة استهلاك المسلمين خلاله 40 %، وفق وكالة "سوليس" فرنسا للإعلان. الوكالة المتخصّصة في ما يسمّى ب "التسويق العرقي" ذكرت أنّ مسلمي فرنسا ينتهزون الفرصة خلال رمضان لتبادل الزيارات والإفطار حول مائدة واحدة تضم الأطباق التقليدية، يحفّزهم في ذلك عرض واسع للمنتجات "الحلال" بمختلف نقاط البيع في السوبر ماركات والمحلات التجارية الصغيرة المنتشرة بالأحياء. "والحلال" كلمة تنطبق على اللحوم الصالحة للأكل من قبل المسلمين، وتتعلق أيضا بالمنتجات المجهزة مثل الصلصة والحلويات التي لا تحتوي على "جيلاتين" لحم الخنزير. عروض تجارية متنوعة بمناسبة رمضان الإعلامي والكاتب الفرنسي من أصول تونسية، نزار الجليدي، رصد "الإزدهار اللافت"، على حد وصفه للسوق الحلال بفرنسا خلال رمضان، خصوصا في ما يتعلق باللحوم. الجليدي قال للأناضول أن "عمليات الذبح الشعائري أضحت خاضعة لجمعيات ناشطة في المجال، ولمراقبة مجالس إسلامية، وعلى رأسها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المنظمة التي تعنى بتمثيل المسلمين في البلد الأوروبي". انتعاشة، أضاف الإعلامي، أنها شجعت كبرى المؤسسات التجارية في فرنسا على الإنخراط بقوة في السوق الحلال، وتخصيص أجنحة بأكملها لذلك، سواء المصنّعة محليا أو المستوردة، بحثا عن الاستفادة من الطفرة التي يشهدها طلب المسلمين على هذه المنتجات في مثل هذه الفترة من كل عام. ولضمان حصّتها من تلك السوق، تتواتر الإعلانات الترويجية لمختلف المنتجات "الحلال" وقد تتحول أحيانا لحملات كبرى، سعيا لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن والترفيع في أرقام معاملاتها. أما الأسواق الأسبوعية المنتشرة في العاصمة باريس وفي مختلف ضواحيها وببقية المدن، فترتدي بدورها حلة استثنائية بمناسبة الشهر الفضيل، فينتشر باعة "المنتجات الحلال" في كل ركن منها، عارضين سلعا يقبل عليها مسلمو البلاد وغيرهم من السياح ممن يفضلون قضاء رمضان في فرنسا. اللحوم والجبن والألبان و«البريك» في قلب الحملات الإشهارية منذ حلول الشهر الكريم، كثّفت المركّبات التجارية الكبرى والمتوسّطة من عروضها التجارية ومن حملاتها الإشهارية. وشملت الحملات الترويجية المنتجات «الحلال» التي تستحوذ على الإقبال الأكبر من قبل المسلمين في رمضان، من ذلك اللحوم والجبن وأوراق "البريك" (رقائق عجين محشوة بالأجبان وغيرها) إضافة إلى الألبان. ويتميّز الشهر الكريم في فرنسا بحضور متزامن للماركات التجارية لكبرى الشركات الغذائية في البلاد، ممن تستثمر شهرة علامتها للاستفادة من تزايد طلب المسلمين على المنتجات الحلال. وبحسب استطلاع أجرته الوكالة نفسها حول "آفاق المتسوّقين"، يعتقد 62 % من الفرنسيين المسلمين أنهم لاحظوا وجود عروض تجارية خاصة على امتداد رمضان 2015. فيما يرى 52 % منهم أنهم تلقوا في بريدهم نشريات إشهارية لعروض خاصة تطرحتها متاجر كبرى خلال رمضان. وإلى جانب العروض الخاصة، تقدم الفضاءات التجارية الكبرى هدايا أخرى مثل طقم أكل أو غيرها من أدوات المطبخ. وشمل الإستطلاع عينة من الفرنسيين المسلمين، ممن تتراوح أعمارهم من 18 إلى 64 عاما، يعيشون في أقاليم "إيل دو فرانس" و"روان الألب" و"باكا"، حيث يتمركز نحو 65 % من السكان من أصول مغاربية. وتشمل الحركة أيضا المطاعم التي تقدّم الأطعمة الحلال والتي يقصدها الصائمون مساء كل يوم للإفطار. "الحلال.. خصوصية تدافع عن الهوية" الجليدي اعتبر أن «ظاهرة» السوق الحلال بفرنسا تمتلك خصوصية هامة و«تقف مدافعا عن الهوية في عالم الإستهلاك». وبالنسبة له، فإن الإقبال على المنتجات الحلال لا ينبثق عن العامل الديني فقط، وإن يظل الأساس وإنما يفرضه التنوع العرقي في البلاد، والتفاعل الذي يخلق تقاربا بين الثقافات، ويجعل حتى من غير المسلمين يقبلون على هذه المنتجات. ففي غضون 10 سنوات، حققت السوق الحلال بفرنسا نموا ملحوظا، حيث تجاوز رقم معاملاتها ال 5.5 مليار يورو في 2013، وفق سوليس فرنسا، والتي أشارت أن 4.5 مليار منها متأتية من سلّة الإستهلاك المنزلي، ومليار بعنوان نفقات الأشخاص في مطاعم الوجبات السريعة. ووفق بيانات الوكالة نفسها، فإن النمو الذي تشهده سوق الحلال بفرنسا في السنوات الأخيرة (من 10 إلى 15% سنويا ومتوقع أن تصل 20% بحلول 2020)، يعود إلى تنامي الطلب على منتجاتها بشكل لافت. ف "الحلال" تجاوز كونه مجرّد خصوصية دينية ليتحوّل إلى نشاط تجاري قائم الذات في فرنسا، ما دفع الشركات الكبرى إلى تبني سياسة تسويقية، دفاعا عن حصتها بالسوق خلال الشهر الفضيل إلى جانب المحلات التجارية التقليدية. وتحظى المنتجات الحلال بظهور لافت عبر الحملات الإشهارية والأروقة المخصصة لها في المركبات التجارية الكبرى والمتوسطة، ما يفسّر التطور المرحلي الذي تشهده هذه السوق في السنوات الأخيرة. ففي البداية، ارتكزت على مبدأ الذبح الشعائري، أي على اللحوم، قبل أن تتوسع لتشمل منتجات أخرى، وإن تظل اللحوم محورها، حيث تمثل 85% من الإستهلاك الحلال بفرنسا. واليوم، بإمكان مسلمي فرنسا ابتياع منتجات استهلاكية غير غذائية حلال، مثل مستحضرات التجميل والمنتجات المنزلية، ليصبح "الحلال" علامة تجارية اكتسحت مجالات عديدة أخرى، لتظهر مفاهيم جديدة مثل "السياحة الحلال" و"المالية الحلال" وغيرها.