عندما فقدت بصرها أخذت زهرة أحناش عهدا على نفسها أنها إن استعادته فستنمي موهبتها في الرسم، التي أهملتها بسبب دراستها وظروف حياتها في البادية المغربية. زهرة (35 سنة) فتاة مغربية شغوفة بالرسم منذ الصغر، وبسبب غياب الألوان أجلت الأمر عدة مرات، حتى تعرفت على التلوين بواسطة "ماء الزيتون" المتوفر بكثرة في محيط سكنها. فكرة الألوان الجديدة التي تستخدمها زهرة تعتمد على استخلاص مادة أولية من الزيتون بعد عصر بعض حباته، وطحن حبات أخرى، ثم وضعهما في المبرد، للحصول لاحقا على ألوان من ثلاث درجات على الأقل. وهذه الألوان طبيعية عكس الألوان الأخرى الصناعية. ميول زهرة، التي تقطن بلدة باب برد شمالي المغرب، ارتبط بالرسم منذ نعومة أظفارها، تقول "بدأت الرسم منذ الصغر، وتابعت اهتمامي به خلال دراستي الابتدائية، لأنقطع عن الدراسة بسبب غياب المدرسة الإعدادية في بلدتي". وتوضح "كنت أستخدم ألوان الماء، ولم أجد من يحضرها لي، فالأفراد لا يهتمون بالفكرة من أساسها، فضلا عن عدم وجود أدوات الرسم في البادية، وهو ما ترك فراغا في حياتي". واستمرت حياة زهرة على الحال نفسه، فتذكر "عشت مرحلة مملة بسبب غياب الوسائل، الأيام كانت تتشابه، نقوم بنفس الأعمال يوميا، الأشغال داخل البيت وخارجه". لكن خلال 2018 فقدت زهرة بصرها، وعن ذلك تحكي "بدأت أفكر بأن الله سبحانه وتعالى منحني موهبة ولم أبدع فيها، ونذرت نفسي إذا رجع لي البصر أن أبحث عن الألوان وأرسم". وبعدما استرجعت بصرها انطلقت في بحثها عن ألوان غير مكلفة ويمكنها الحصول عليها، حتى تذوقت الزيتون ولاحظت أنه يترك أثرا في أصابعها، لتأتيها فكرة الرسم بمائه. وتسرد زهرة قصة اكتشافها قائلة "بدأت الرسم بماء الزيتون، ونشرت ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، ما لاقى إعجابا وتشجيعا من عدد من الفنانين والمواطنين، وهو ما دفعني إلى الاستمرار في الرسم بسبب عدم وجود رسامين كثر بهذه الطريقة". عودة زهرة إلى الرسم كشفت لها أنه أكثر من فن وهواية، بل هو راحة وطمأنينة، فتقول "الرسم أمر جيد لأنه أعاد إلى حياتي الراحة والطمأنينة، أفرغ فيه الضغط، فعندما أنهي مهامي أنخرط فيه وأنسى كل ما سبق، وأدخل في عالم آخر".
واهتمت لوحات زهرة بالقضايا الإنسانية والمغربية إضافة إلى التعبير عما تراه في محيط باديتها، وعن ذلك تقول "تأثرت بمقتل الإعلامية في قناة الجزيرة شيرين أبوعاقلة، لذلك رسمت لها لوحة لأبقى محافظة على ذكراها". لوحة "شيرين أبوعاقلة" لم تكن نابعة فقط من التأثر الوقتي لزهرة، بل جاءت أيضا بسبب "تأثرها بالقضية الفلسطينية، ودعمها غير المشروط لفلسطين، لذلك فهي ترسم من أجل أن تبقى ذكرى لديها". واهتمت زهرة أيضا بمعاناة المرأة القروية، فوفق رأيها هي "تملك العديد من المواهب، فقط يتطلب الأمر توفير حد أدنى من الشروط، لتذهب بعيدا في الموهبة وتعطي الكثير". وعن ذلك قالت زهرة "من أصعب الأعمال التي قمت بها مجهود أكثر من مئة ساعة متفرقة من العمل، رسمة واحدة تحتوي على خمسة وثلاثين عملا، سلسلة من الأعمال اليومية التي تقوم بها المرأة الجبلية". كما رسمت بعض لاعبي المنتخب المغربي خلال مونديال قطر 2022، اعترافا منها بالإنجاز التاريخي للمنتخب بعد تأهله إلى المربع الذهبي في نهائيات هذا المونديال. وتستمر حياة زهرة مرتبطة بالرسم؛ وكيف لا، وهو الذي أعاد إليها الروح في مكان بعيد عن كل شيء، ومن خلاله تقترب من كل شيء.