في إطار التفاعل مع انشغالات الرأي العام حول تجاوز إشكالية البلوكاج الحكومي والإرهاصات الأولى لتجاوزه كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ حميد النهري رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بطنجة. كيف ترى العجلة التي عرفتها مشاورات رئيس الحكومة الجديد سعد الدين العثماني والتي أثمرت عن اتفاق بين 6 احزاب سياسية على تشكيل الحكومة ؟ المبادرة الملكية كانت واضحة بغض النظر عن التفسيرات التي أعطيت لدستور 2011 والتي أصبح بعض الخبراء بارعون في إعطاء تأويلات غير علمية وغريبة لفصوله إرضاء لجهة ما قلت بغض النظر فان المبادرة الملكية كانت واضحة وسعت إلى ( انقاد البلاد ) لان مشاورات السيد بنكيران وظاهرة البلوكاج تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية كانت كبيرة جدا وتؤكد ذلك مختلف التقارير الصادرة سواء عن الهيئات الوطنية او الأجنبية والتي أبرزت مؤشرات تدعو إلى القلق بل أن انعكاساتها ستكون سلبية على السياسة العمومية مستقبلا كما أن الاتهامات المتبادلة بين الفرقاء السياسيين حول المسؤول عن ظاهرة البلوكاج والمستوى المتدني للخطاب السياسي المستعمل سيكرس أكثر ظاهرة العزوف السياسي التي يعاني منها المجتمع المغربي وبالنسبة للشركاء الأجانب فالانتظارية سببت نوعا من الشك في مصداقية الاقتصاد المغربي وعدم وضوح الرؤيا بل طرحت عدة تساؤلات عن مسار الحياة السياسية ببلادنا بصفة عامة إذن هل باستطاعة البرنامج الذي ستحضره الأحزاب الستة التي ستشكل الحكومة ان يتجاوب مع المبادرة الملكية ويساهم في انقاد البلاد كما تقول وإعادة ثقة المواطنين في العمل السياسي ؟ بعيدا عن التشاؤم وكمواطن غيور على بلاده أتمنى أن يعي الجميع حجم المرحلة التي تمر منها البلاد والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي عليها مواجهتها . لكن للأسف واقع الحال يبرز غير ذلك فمنذ الانتخابات الجماعية 2015 ونحن نعيش في واقع سياسي متردي اعتمد فيه الفاعلون على خطاب سياسي في اغلبه تميز بالانحطاط والسب والشتم وتبادل الاتهامات الشيء الذي لم يترك المجال للبرامج والتصورات لمستقبل البلاد حتى أصبحنا مع هذه الممارسات نعيش للأسف زمن الرداءة السياسية لذلك أرى أنه من الصعب على هذه الأحزاب تبني برنامج عملي وحقيقي يستجيب لتحديات المرحلة بل سيكون برنامجا كالعادة مليئا بالوعود وجرد للاكراهات . بل أكثر من ذلك سيكون برنامجا عشوائيا نظرا لعامل السرعة الذي سيتحكم في تحضيره . ما رأيكم في المرحلة الثانية التي تدور أطوارها حاليا والمتمثلة في توزيع الحقائب ؟ لا أظن انه سيكون هناك تغيير بحيث نلاحظ من خلال ما يجري نفس السلوكات ويظهر بجلاء منطق توزيع الغنيمة فالكل يريد الاستحواذ على اكبر عدد من الحقائب الوزارية المهمة وكل حزب يقدم نفسه كأهم عامل ساهم في حل إشكالية البلوكاج الذي دام أزيد من 5 أشهر . كما أن هذه الأحزاب تريد أن تحصل عن نصيب مهم من كعكة الحقائب بغض النظر عن تجاوب تدبير هذه الحقائب مع برامجها وكفاءاتها .خصوصا وان توزيع الحقائب الوزارية كشف عن صراعات داخل الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة لان عملية الاستوزار باسم الحزب في بلادنا غالبا ما تعتمد منطق المحاباة والوصاية وجبر الخواطر وتضحي بكل ما له علاقة بالديمقراطية الداخلية.لتبقى بعيدة كل البعد عن توجيهات الخطاب الملكي . إذن أمام هدا الوضع هل ممكن إعطاء بعض التصورات القادرة على رسم مستقبل أفضل؟ في الحقيقة وحتى لا نكون متشائمين أكثر سأطرح الإشكالية من زاوية أخرى هل الشعب المغربي يستحق هذا الوضع فعلا ؟ بطبيعة الحال الإجابة ضروري أن تكون بلا فلا زلنا لم نصل إلى المستوى الميئوس لكن نحتاج إلى إصلاحات حقيقية ترتبط بالمؤسسات لا بالأشخاص وتحترم التحولات التي يعرفها العالم وتفتح المجال أمام أغلبية المواطنين للمشاركة في العمل السياسي بممارسات تحترم الديمقراطية العدالة وتكافؤ الفرص. ولن يتأتى ذلك في الحقيقة إلا بوجود مطلبين : مشروع مجتمعي تتخلص به الدولة من الرداءة السياسية التي تمت تغذيتها وتكريسها في مشهدنا السياسي. هذه الرداءة التي وصلت في السنوات الأخيرة إلى مستوى من الانحطاط لم يعد مقبولا بل أصبحت نتائجها تهدد المصالح العليا للبلاد وتهدد التوازن الاجتماعي والاستقرار الأمني. أحزاب سياسية عصرية تتبنى منطق إشراك المواطن المغربي في القرارات الحزبية بطريقة ديمقراطية تأخذ بعين الاعتبار طموحاته وأماله وتأخذ بعين الاعتبار أيضا مستوى النضج السياسي الذي وصل إليه كما أصبح من الضروري على هذه الأحزاب أن تتجاوز التعامل مع الشعب بمنطق الوصاية والتقرير في مصيره داخل الغرف المغلقة انطلاقا من المصالح الضيقة التي تتماشى وطموحات بعض القيادات الحزبية التي أصبحت تكسب شرعيتها بين عشية وضحاها بل تصور نفسها أنها الوحيدة القادرة على انقاد هذا الشعب وتحقيق طموحاته.