بين رسام الكاريكاتير والسياسي لا توجد علاقة ود دائمة، والضحكة الصفراء التي يلقيها السياسي في وجه الفنان الساخر، اذا ما التقيا في الشارع وجها لوجه، ليست سوى بروتوكول صغير يحافظ على شعرة معاوية، ذلك أن لا أحد يقبل منك أن تسخر منه، وتنتقده على الملأ.. ولهذا بالذات، توصف الرسوم الصحافية الساخرة، باستمرار على أنها ترمومتر لتواجد حرية تعبير من عدمها في أي بلد من البلدان. ففي بلجيكا حيث ترسخت تقاليد الرسم الصحافي عبر قرون، وحسب ما أسر الفنان الصديق صمويل لومير، قد يتصل بك السياسي إذا نجح لك رسم تناولته فيه بالنقد والسخرية، ليهنئك، وقد يقترح عليك اقتناء اللوحة بثمن محترم، ليحتفظ بالذكرى.. يفعل ذلك حتى ينال شهادة حسن السيرة السياسية، لأنه لو أقدم على فعل عكس ذلك فسيتحول إلى أضحوكة ويتحول الرسام إلى بطل. أما في بلداننا فالأمر مختلف، إذ أن احترام الرسام لازال مشخصنا، أي أنه مرتبط بأشخاص معينين يتحملون لسعات السخرية، فلو أرادوا منعها فسيفعلون، ولن تعوزهم الوسائل، لدواع عدة، منها ماهو مرتبط بثقافة المجتمع.. أما القوانين فليست مهيأة بعد لتحمي الفنان كما ينبغي.. بعد إعفاء السيد بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة كتب موقع إيلاف أن ما حدث يعد خسارة حقيقية لرسامي الكاريكاتير المغاربة، الذين كانوا يجدون في السيد بنكيران معينا لا ينضب من الأفكار الساخرة والهزلية!، وان الرجل كان ملهما حقيقيا لهم. وهذا صحيح إلى أبعد الحدود، فالسيد بنكيران بالاضافة إلى كونه متسامحا مع النقد الساخر مهما كان لاذعا، بالرغم من غضبه المعبر عنه هنا وهناك، تجاه بعض الكتابات الصحافية غير الساخرة، فهو أيضا يعد ملهما للرسامين بسبب تميز شخصيته وميله للتنكيت والإضحاك ، ولذلك كله، حظي الرجل خلال ولايته، على أعلى معدل للرسوم ، تم إنتاجها، حول شخصية عمومية، في تاريخ الصحافة المغربية على الإطلاق.. ونحن نتناول الرجل في رسوماتنا اليومية، كان فضولنا يزداد يوما بعد يوم لمعرفة رأيه حول هذا الموضوع، وقد تأتى لنا أن نسمع رأيا رسميا على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة، السيد مصطفى الخلفي، وكانت المناسبة دورة من دورات مهرجان الكاريكاتير والإعلام بشفشاون حيث قال: إن السيد بنكيران وباقي أعضاء الحكومة، ينظرون إلى هذه الرسوم، بعين إيجابية، ويعتبرون النقد الموجه للمسؤول الحكومي يساعد على خدمة الشأن العام.. لقد تميز السيد بنكيران عن باقي المسؤولين بقدرته العجيبة على الإضحاك، والتنكيت، وصنع المواقف الطريفة، والهزلية، بالإضافة إلى جرأته في الكلام وإبداء الرأي، حتى وإن كان محرجا لجهات معينة، ولعل ذلك كان من صميم مواهبه، ونقط قوته، و توجهه ومذهبه الشخصي في السياسة، حيث قال في بداية مشواره الحكومي: جئنا لنقول الحقيقة للمغاربة..! لذلك فقد ربح رهان الخطابة، ونفذ كلامه إلى قلوب ملايين المغاربة ، حتى أولائك الذين لم يصوتوا على حزبه والمختلفين معه، ولعل هذا الامر بالذات كان من أبرز إنجازاته، إلى جانب نظافة اليد! لأن الرجل ظل بعيدا عن الإقناع في تدبير الملفات الكبرى والشائكة، وهذا موضوع آخر لايعنينا في هذه الورقة. ويحسب للرجل أننا انتقدناه بكل ما أوتينا من قوة، ولم يعلن يوما تذمره، أو سارع إلى منع رسام ساخر، او التضييق عليه.. إنه امر يستحق التأمل حقا، خصوصا وأن الرجل ينتمي لتيار من التيارات الإسلامية المحافظة، والتي تنسج عنها صور نمطية سلبية، حول علاقتها المتشنجة بالصورة عموما، وبالصورة الساخرة على وجه التحديد. غير أن الواقع يؤكد لنا عكس هذا، سواء في حالة بنكيران كما سلف القول، أو في حالات مشابهة، كما حدث في مصر إبان حكم التيار الإخواني بحيث ظهر برنامج تلفزيوني طافح بالسخرية السياسية، سرعان ما اختفى من المشهد بعد استرجاع العسكر لزمام الأمور، ونفس الموقف حدث في تونس النهضة حيث ظهرت لأول مرة دمى الكينيول السياسي. إنها مفارقات السياسة في مجتمعات لازالت في حالة صدام مع ثقافة حداثية لا ترحم السياسي إذا تقدم لكرسي المسؤولية، بينما تحوم هالة من الاحترام المبالغ فيه حول الشخصية العمومية عندنا..مما يولد لديها شعورا بعظمة في الأنا تتورم مع مرور الوقت و تصبح مرضا وعائقا للتطور. *فنان ورسام كاريكاتور