تحتفي المرأة المغربية بعيدها العالمي (ثامن مارس) وقد حققت العديد من المكتسبات لاسيما على مستوى التمكين الاقتصادي والسياسي، لكنها لا تزال تتطلع إلى تفعيل المقتضيات الدستورية التي كرست مبدأ المساواة بين الجنسين ونصت على مكافحة جميع أشكال التمييز، لاسيما من خلال التنصيص على إحداث هيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز. بعد عقود من نضال الحركة النسائية والمبادرات الحكومية التي توجت باعتماد دستور متقدم رسخ حقوق النساء، تمكن المغرب من احتلال موقع رائد في مجال النهوض بحقوق النساء وحمايتها تجسد في العديد من الإنجازات، من أبرزها تعديل مدونة الأسرة وقانون الجنسية واعتماد تدابير التمييز الإيجابي لضمان ولوج النساء لمواقع المسؤولية وصنع القرار، وتفعيل إستراتيجية لإدماج مقاربة النوع في السياسات والبرامج الحكومية وفي الأجندة الحكومية للمساواة، وإنشاء صندوق التكافل العائلي لفائدة النساء المطلقات. وفي إطار الجهود الحكومية الرامية إلى النهوض بوضعية المرأة، تم وضع خطة "إكرام" 2012-2016 بهدف تحقيق التقائية المبادرات بين جميع المتدخلين في مجال المرأة سواء كانوا قطاعات حكومية أو قطاعا خاصا أو مجتمعا مدنيا. وحسب حصيلة لخطة إكرام، كانت قد أعلنت عنها وزارة التضامن والأسرة والمرأة والتنمية الاجتماعية ، فقد تم تنفيذ 39 إجراء يدخل في إطار مناهضة أشكال التمييز والعنف ضد النساء و37 إجراء تتعلق بمأسسة ونشر مبادئ الإنصاف والمساواة والشروع في إرساء قواعد المناصفة. كما تم تنفيذ 13 إجراء يتعلق بتأهيل منظومة التربية والتكوين على أساس الإنصاف والمساواة، وسبعة إجراءات تتعلق بتعزيز الولوج المنصف والمتساوي للخدمات الصحية، إضافة إلى 20 إجراء يخص التمكين الاجتماعي والاقتصادي للنساء وأخرى تهم تطوير البنيات التحتية الأساسية لتحسين ظروف عيش النساء والفتيات. وتضمنت الحصيلة عددا من النصوص التشريعية والتنظيمية لحماية النساء ومحاربة التمييز التي جرى إعدادها في هذا الإطار؛ من قبيل مشروع قانون رقم 103.13 يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، ومشروع قانون رقم 79.14 يتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، ومشروع قانون رقم 78.14 يتعلق بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، فضلا عن تعديل القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، وإصدار قانون تشغيل العمال المنزليين. كما ركزت الخطة الحكومية للمساواة على تمكين النساء اقتصاديا، حيث نصت على تشجيع إحداث المقاولة النسائية عبر إذكاء روح المبادرة والاستثمار لدى النساء والفتيات، والرفع من نسبة الولوج والاستفادة من برامج الدعم التي توفرها الدولة والبنوك وصناديق التمويل والجمعيات العاملة في مجال المقاولة، ودعم ومواكبة المقاولات الذاتية للاستفادة من نظام المقاول الذاتي الذي يعتبر إطارا قانونيا جديدا يدعم المقاولة. وتشجيعا للمبادرات النسائية في هذا المجال، تم إحداث جائزة "تميز للمرأة المغربية" التي تمنح سنويا للأفراد والهيئات اعترافا بمجهوداتهن في النهوض بحقوق النساء، والتي سيتم إطلاق الدورة الثالثة منها احتفاء باليوم العالمي للمرأة هذه السنة حول موضوع إحداث المقاولة النسائية. وعلى مستوى التمكين السياسي، تم اعتماد آليات لتحقيق مشاركة سياسية وازنة للنساء، من قبيل إحداث صندوق الدعم المخصص لتشجيع تمثيلية النساء ومراجعة الميثاق الجماعي ومدونة الانتخابات، وإصدار قانون تنظيمي متعلق بمجلس النواب خصص 60 مقعدا للنساء في إطار اللائحة الوطنية وقانون تنظيمي متعلق بمجلس المستشارين نص على إدراج آلية تشريعية تقوم على اعتماد مبدأ التناوب بين الجنسين بالنسبة للوائح الترشيح المقدمة من طرف الهيئات الناخبة الممثلة في مجلس المستشارين. وقد شكلت الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر 2016 اختبارا للرفع من تمثيلية النساء ومنحهن الفرصة لتدبير الشأن العام، حيث ارتفعت نسبة تمثيلية المرأة في مجلس النواب إلى ما يقارب 21 بالمائة من مجموع أعضاء المجلس، مقابل حوالي 17 بالمائة في العام 2011. لينتقل عدد النساء في الغرفة الأولى للبرلمان من 67 نائبة سنة 2011 إلى 81 نائبة. وعلى الرغم من هذه الإنجازات، لا تزال هناك تحديات يتعين رفعها لاسيما في ما يتعلق بتفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بمكافحة التمييز والعنف ضد النساء، هذا في الوقت الذي حددت فيه الأممالمتحدة الأهداف الرئيسية لجدول أعمال عام 2030 للتنمية المستدامة في القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات في كل مكان، وعلى جميع أشكال العنف ضد جميع النساء والفتيات في المجالين العام والخاص، بما في ذلك الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي وغير ذلك من أنواع الاستغلال. وفي هذا السياق، تسجل الحركة النسائية التأخر في إخراج هيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز الذي صادق مجلس النواب على مشروع القانون المتعلق بها في انتظار مناقشته والمصادقة عليه في مجلس المستشارين. كما تتطلع النساء إلى الإسراع في إصدار قانون محاربة العنف يكون في مستوى انتظارات الحركة النسائية والمجتمع المدني وضحايا الاغتصاب والعنف الجنسي والدستور المغربي الذي ينص على المساواة في الحقوق بين النساء والرجال. من المؤكد أن المرأة المغربية حققت، خلال العقود الأخيرة، مكتسبات هامة، لكن التعثر لا يزال يطبع مسار تفعيل مقتضيات دستورية مصيرية بالنسبة لحقوقها، ما يجعل أصوات الفاعلين والفاعلات الجمعويين والحقوقيين ترتفع من أجل مأسسة المساواة والقضاء على التمييز كما أقر بذلك الدستور، وبين هذا وذاك تظل آمال النساء معلقة على قوانين ملائمة لروح الدستور وسياسات عمومية تضمن الكرامة لهن. *و م ع