سيحتفل العديد من العالمين هذه الأيام، ومعهم فئة قليلة انبثقت عن فئك كثيرة من المغاربة بما يسمى بعيد الحب، أو "سان فالانتاين"، نسبة إلى الكاهن الذي تمرد على القوانين الرومانية بتزويج الجنود سرا، مكسرا بذلك المنع الذي كان يفرضه عليهم الامبراطور " كلاوديوس الثاني" في القرن الثالث عشر. كل شيء سيبدو أحمر في عيد الحب ، اللباس، الماكياج، الحقائب اليدوية، ربطات العنق، الأقلام، الورود، مصابيح غرف النوم... لست أدري ما علاقة الحب بهذا اللون الدموي، الذي يذكرنا بكثير من الأحداث والمشاهد المحزنة، ولا أدي كيف يتغنى الناس بهذا اللون في هذا اليوم بالذات، وقد كان الوردي لون الفرح عند الكثيرين ممن مارسوا على مشاهدنا رومنسية مزيفة طيلة عقود من زمان الفن المصري، وكان وقتها للحياة لونها " البامبي"، قبل أن يصير أحمرا. ربما في إشارة إلى الدماء التي سالت في ذلك اليوم من عنق القديس فالانتاين، بعد افتضاح أمره، وقطع رأسه، في نفس اليوم و الشهر. في الأمس القريب، وخلال ثمانينات، بل وحتى بداية تسعينات القرن الماضي، لم نكن نعرف لهذا اليوم وجودا، فقط كنا نعلم ومن خلال القنوات الإسبانية الرسمية، أن فيه تنتعش تجارة الورود بشكل غريب. لكن ومنذ أن أنعمت علينا التيكنولوجيا بالقنوات الفضائية العربية والغربية - كلاهما سواء - بكثير من الأعياد التي لم نكن لها من العارفين، ومن بينها العيد الأحمر هذا، وما أدراك ما الأحمر، ونحن نشاهد ونراقب كيف أن فتياتنا يرتدين لباس الحب عن غير دراية، وَيقلدن الغرب في الاحتفال بالشكل الذي عرفنه منهم، و خبرنه عنهم، أما المضمون فذاك شيء لا يعلمه الكثير من التابعين، وتابعي التابعين. لم يكن للفالانتاين أي وقع على نفوسنا، أو مجريات حياتنا، رغم اقتحامه بيوتنا من شاشات التلفاز، لسبب واحد فقط، هو أن ما نعيشه من حب في مجتمعنا، و وسطنا الأسري و العائلي، أكبر من أن نختزله في يوم واحد اختاره الغرب لهذا العيد، ليخلد به ذكرى قديس أنقذهم من كَبْتٍ، فرضه عليهم طغاتهم من حكام تلك الحقب، وهو في حد ذاته تعبير عن الحرمان الذي لا زالت تعيشه مجتمعات كثيرة، من الحميمية الأسرية، والتماسك العائلي... فهم إذا يحتفلون بالحب يوما واحد من ثلاثمائة وخمسة و ستين، وأرادوا لنا أن نتبعهم في هواهم، كما تبعناهم في عيد الأم التي حملت تسعة أشهر، وأرضعت حولين، فلم تستحق منهم إلا يوما واحدا للاحتفال بها، والاعتراف بجميلها. وكذلك شأن عيد الأب، و المرأة، و الطفل... وما هذا إلا شُحٌّ وجحد في حق هؤلاء. ونحمد الله تعالى على أننا متشبعين بتعاليم ملأت قلوبنا بحبهم كل يوم ولحظة، ولسنا في حاجة لا إلى الرابع عشر من فبراير، و لا إلى الثامن من مارس، أو الواحد و العشرين منه.... لكننا في حاجة فعلا إلى العشرين من فبراير للاحتفال بحب من نوع آخر. حب عبر عنه الشباب المغربي بكل عفوية، ودافع عنه بكل صرخك، خطوة، إشارة... و أيضا بكل ضربة تلقاها هذا، و إعتقال تعرض له ذاك. حب جعل المغرب يفخر بوجود هذه الشريحة المتميزة من أبنائه بين نضرائه من البلدان العربية و غير العربية. شباب قالوا لا لكل ما كان سببا في سنوات، بل عقود من التخلف، والتسلط، والسيبة، والركود في كل ما من شأنه أن يحفظ للمواطن حقوقه المادية و المعنوية. شباب من حبهم لبلدهم كسروا كل الطابوهات، و خرجوا في اختلاف تام عن المألوف، وعن كل ما كانت تعرفه أجواء بلدان أخرى، واستطاعوا أن يغيروا مسارا، و يوقعوا بالأحمر و الأبيض على عهد جديد، بكثير من الربح، و قليل من الخسارة، وقطرات دم. الاحتفال بحب البلد والولد في العشرين من فبراير، هو احتفال بالحب الحقيقي، حب الوطن. أوليس حب الأوطان من الإيمان؟. هو إذاً اليوم الذي عبر فيه المغاربة شيبا و شبابا عن حبهم لوطنهم، و استماتتهم في الدفاع عن سمعته وكرامته، بمطالبتهم بالتغيير، و إسقاذط الفساد والمفسدين. و هو اليوم الذي جسد حقيقة الحب الذي يعيشه المغاربة فيما بينهم، وقد رأينا كيف كان الكل بجانب الكل، و الكل يدافع عن الكل، في الشارع، وأمام أبواب مخافر الشرطة و المحاكم، فكان الصوت واحدا، و الهدف واحدا. هي ذكرى عزيزة على نفوس الشباب المغربي، تأدى فيهم من تأدى، و احترق فيهم من احترق، و اعتقل فيهم من اعتقل، لا لشيء، سوى حبا في هذا البلد. فتحية للمحبين من أبناء هذا المغرب العزيز، وكل عشرين فبراير والحب يغمر أبناءه.