يتطلب قطاع الماء، هذا المورد الحيوي الذي أصبح يشهد ندرة بشكل متزايد، أكثر من أي وقت مضى، سياسة تدبيرية فعالة تأخذ بعين الاعتبار التحديات الأساسية التي تؤثر بشكل كبير على تزويد ساكنة العالم بالمياه، لاسيما التغيرات المناخية والجفاف. في المغرب، تم اعتماد عدة استراتيجيات لضمان الاكتفاء الذاتي من المياه؛ من بينها بناء سدود جديدة، وإنجاز محطات تحلية مياه البحر في العديد من مدن المملكة، وإعادة استعمال المياه العادمة؛ وهي إجراءات مهمة تم اتخاذها من أجل تدبير أنجع لقطاع الماء الذي ما يزال يواجه عدة صعوبات بحسب المجلس الأعلى للحسابات. وسجل المجلس، الذي أنجز مهمة موضوعاتية تتعلق بقطاع الماء، أن المغرب يوجد ضمن العشرين دولة التي تصنف عالميا في وضعية "إجهاد " من حيث توفر هذه المادة الحيوية، ويتوفر على موارد مائية تقدر ب 22 مليار متر مكعب في السنة. وتستخدم المياه السطحية والجوفية المعبأة بشكل أساسي في السقي (حوالي 88 في المائة)، بينما يتم التزويد بالماء الصالح للشرب وتلبية احتياجات القطاعات الاقتصادية الأخرى بالنسبة المتبقية (12 في المائة). وأشار المجلس الأعلى للحسابات، في هذا الصدد، إلى مجموعة من التحديات المتعلقة أساسا بتعبئة الموارد المائية وترشيد استعمالها وحمايتها، مؤكدا في هذا الصدد، على ضرورة اتخاذ الاجراءات الضرورية الكفيلة بحماية الملك العمومي المائي وتقوية شرطة الماء. وتحقيقا لهذه الغاية، من الضروري تفعيل دور هيئات التشاور والتنسيق والتوجيه الإستراتيجي، خاصة تحسين فعالية الاستثمارات، بالنظر إلى أن التمويل في قطاع الماء، هو الحلقة الأضعف في الاستثمارات في بلادنا. ويعاني القطاع من صعوبات تمويل حقيقية، تتطلب ضرورة تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالنظر إلى ضعف عدد العقود المبرمة التي لوحظت حتى الآن، لمعالجة الخصاص الذي تعاني منه العديد من مناطق البلاد من هذه المادة الحيوية. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، حول موضوع تدبير قطاع الماء، أشار الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، محمد بن عبو، إلى أن هذا القطاع لا يزال يواجه تحديات كبيرة تتعلق بندرة الموارد المائية، وتفاقم الظواهر المناخية الشديدة، والجفاف ولا سيما عدم كفاية الموارد مع الاحتياجات المتزايدة باستمرار للمياه، إضافة إلى الاستغلال المفرط لموارد المياه الجوفية. كما دعا الخبير إلى اتباع عدة طرق لمواجهة الإجهاد المائي، انطلاقا من إنجاز مشاريع "ناضجة" للربط بين الأحواض ومكافحة ترسب الطمي، الذي يقلص من الطاقة الاستيعابية للسدود بمعدل 75 مليون متر مكعب سنويا. وفي هذا الصدد، يرى السيد بن عبو، أن هذا الوضع يتطلب إعادة التفكير بشكل أفضل في تعبئة الموارد المائية مع مكافحة الاستغلال المفرط للمياه الجوفية. من جهة أخرى، ذكر المتحدث، بالبرامج التي تم إطلاقها، خاصة المخطط الوطني للماء الذي يشكل مرجعا للسياسة المائية التي تقوم على تدبير الطلب على الماء وتثمينه، من خلال تعميم التزود بالمياه الصالحة للشرب. كما سلط الضوء على مخطط المغرب الأخضر والذي تعزز بإطلاق الاستراتيجية الفلاحية الجديدة " الجيل الأخضر 2030 " والذي مكن من وضع إطار مؤسساتي ملائم وإعطاء دفعة لازمة لتعبئة الموارد المالية والتقنية من أجل تحديث شبكة الري في القطاع الفلاحي وتثمين أنجع للموارد المائية. ويكتسي تدبير قطاع الماء أهمية بالغة، بالنظر إلى دور هذا المورد الحيوي وكذلك الاكراهات الأساسية المرتبطة بهذا القطاع؛ مما يدعو إلى التساؤل حول مدى استعجالية العمل على رصد موارد تمويلية لهذا القطاع ، إضافة إلى السهر على تحسين فعالية الاستثمارات في هذا المجال.