قبل سنة، عاشت بلجيكا حالة من الخوف والقلق الشديدين مباشرة بعد الهجمات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس، حيث تم إلغاء جميع الأنشطة، وخاصة في جهة بروكسل كابيتال، خوفا من حدوث هجمات مماثلة. وتحولت العاصمة البلجيكية، التي عادة ما تعرف رواجا يمتد إلى ساعات متأخرة من الليل، فجأة إلى مدينة شبح حيث تسود مشاعر الخوف تحت تأثير هجمات باريس التي خلفت عشرات القتلى. وهكذا، عاشت بروكسل من 21 إلى 26 نونبر 2015 حالة إنذار في مستواها الرابع بعدما اعتبر جهاز التنسيق لتحليل التهديدات أن هناك خطر "جدي ووشيك ". وجراء هذا القرار، أغلقت المدارس والجامعات وكذا المحلات التجارية والنقل العمومي خاصة ميترو الأنفاق، كما تم تعزيز وحدات الجيش بأهم النقاط بالمدينة، وحثت السلطات البلجيكيين على تجنب التجمعات الكبرى. وبالموازاة مع ذلك، قامت السلطات الأمنية بعمليات مداهمة واسعة من أجل وضع اليد على بعض العناصر المتورطة في اعتداءات باريس والتي عادت إلى بلجيكا. فقد خلفت الأخبار حول عودة صلاح عبد السلام، الذي كان يوجد في حالة فرار، إلى بروكسل، بعد اعتداءات باريس، حالة من الرعب في العاصمة البلجيكية. وقد أخذت السلطات البلجيكية هذه التهديدات على محمل من الجد حيث توالت اجتماعات جهاز تنسيق التهديدات الإرهابية الذي كان يحدد مستوى الإنذار، والحكومة الفدرالية التي تتواصل مع المواطنين لإطلاعهم بخصوص آخر تطورات الوضع الأمني في البلاد والإجراءات التي يتم اتخاذها. وقد سبق للحكومة البلجيكية أن رفعت حالة الإنذار إلى المستوى الرابع في مناسبتين، حيث لجأت لهذا الإجراء في 2007 بعدما تم إلغاء حفل للشهوب الاصطناعية بسبب تهديد إرهابي، ومؤخرا بعد هجوم على متحف يهودي. وقد كان لهذه الإجراءات الأمنية المشددة آثار اقتصادية وخيمة على العاصمة، حيث قدرت الخسائر ب 50 مليون أورو يوميا، غير أن أرباب المراكز التجارية أبدوا تفهما عندما يتعلق الأمر بإجراءات استثنائية لحماية المواطنين. كما تضررت صورة بلجيكا جراء هذه الأحداث، حيث وجهت لها اتهامات لكونها أصبحت قاعدة خلفية للإرهاب بالنظر إلى أن ثلاثة عناصر من بين ثمانية التي كانت وراء هجمات باريس تنحدر من بلدية مولنبيك بالعاصمة بروكسل. وقد أدت هذه الوضعية إلى توتر في العلاقات الفرنسية البلجيكية حيث اتهمت باريس السلطات البلجيكية بالتراخي في تدبير التطرف في صفوف الشباب في بعض أحياء العاصمة. ولمواجهة هذه الاتهامات التي تمس بصورة البلاد، قامت الحكومة البلجيكية بمجموعة من المبادرات همت مختلف المجالات على رأسها تشديد الإجراءات القانونية والتنسيق بين المؤسسات داخل بلجيكا وتعزيز التعاون الدولي وكذا الوقاية والتحسيس من خطر التطرف في صفوف الشباب. وعلى الرغم من هذه الإجراءات، فقد تعرضت بلجيكا بدورها، بعد أشهر قليلة، إلى هجومين إرهابيين. ففي 22 مارس 2016، قام انتحاريون بتفجير أنفسهم بمطار بروكسل وفي محطة لميترو الأنفاق بالعاصمة مخلفين 30 قتيل وعشرات من الجرحى.