يدخل الشاعر والكاتب المشاكس بصحيفة "صدى نيوز" خالد الصلعي ابتداء من فجر اليوم السبت في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجا على إقصائه من الاستفادة من دكان بسوق القرب الذي دشنه الملك بمنطقة بني مكادة، باعتباره بائعا للخبز منذ أزيد من 14 سنة . خطوة الإضراب المفتوح عن الطعام، وبساحة تافيلالت وسط بني مكادة وبالقرب من منطقة أرض الدولة، ليست بالمبادرة الهينة، فرغم مجادلتنا للصديق خالد ومناشدتنا له، إلا أنه أصر على الدخول في معركة "الأمعاء الفارغة" وإلى آخر رمق، إن لم تعمل السلطات على الاستجابة إلى مطالبه، وإن كنت أتوقع أن تعمل السلطات الأمنية على منع هذا الاضراب بتلك الساحة الشهيرة في أذهان الأجهزة الأمنية، وقد تلجأ إلى تصعيد "هرواتي" لمنع هذه الخطوة التي بدأت تجلب ومنذ اليوم الأول تعاطف فئة واسعة لأبناء المنطقة بحكم أن خالد هو أحد أبنائها البررة. مجموعة من المتابعين سألوني عن هوية خالد الصلعي، هذا الشاب الخمسيني الذي بدأ الشيب يتسلل إلى شعر رأسه ولحيته، من فرط الحصار والتضييق الممارس عليه، بحكم أنه كاتب رسمي بصحيفة "صدى نيوز" الرقمية، فمعظم المراقبين لا يعرفون هذا القلم السيال، ذو الأفكار والمواقف القوية إلا عبر المئات من المقالات التي كتبها حتى الآن، والمنشورة بصحيفة "صدى نيوز"، والتي من المنتظر أن تجمع لاحقا في كتاب . وفي الواقع فإن حرمان الشاعر الصلعي من دكان بسوق القرب ببني مكادة لم يكن السبب الرئيسي في الدخول في خطوة الإضراب المفتوح عن الطعام، بل في تقديري هي النقطة التي أفاضت الكأس ليس إلا، فمعاناة هذا الرجل ابتدأت منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، عندما تم طرده من الوظيفة العمومية دون أي سند قانوني مقنع، وخارج حتى المساطر الإدارية المعمول بها، فقط لأنه عبر عن مواقف معارضة وكتابات منتقدة للسياسة العامة، وأبيات شعرية غير معتادة، وهو موظف بوزارة توصف في ذلك الوقت ب "أم الوزارات"، وإذا كانت المرحلة الابتدائية قد حكمت لفائدة الصلعي، فإن الاستئنافية كان لها رأي آخر، حيث عضضت قرار الطرد دون أن تضاف ولو وثيقة أو شهادة جديدة للملف، مما يعني حسب الصلعي أن الأمر يتعلق بتعليمات، كل هذا وسط صمت حقوقي وإعلامي رهيب ومخيف، ليس هذا فحسب فإن الموظف السابق خالد الصلعي يؤكد في تصريح صحفي أنه سبق وأن تعرض بفعل فاعل لحالات من التسمم وداخل الإدارة التي كان يشتغل بها لا زالت آثارها بادية حتى الآن على بدته وصحته. خرج الرجل وهو يومئذ في عز الشباب بحثا عن العمل، وامتهن العديد من المهن(ولم لا فهو زوج وأب) حتى استقر به الرأي كخباز يبيع الخبز ولمدة 14 سنة بالتمام والكمال بسوق بني مكادة، بالتزامن مع هذا كان كاتبنا يكتب الشعر، والرواية، والمقالة.. صدر له حتى الآن ديوان شعري واحد( كان يبيع نسخا منه إلى جانب الخبز) ودواوين أخرى تنتظر دورها للطبع، بجانب 4 روايات، ومجموعات قصصية، والمئات من المقالات المتنوعة، خاصة السياسية منها التي لم تكن ترق لجهات في السلطة، لا زالت كلها تحتاج لدور للنشر لطبعها وتوزيعها وإخراجها إلى العموم، وواحدة منها تتحدث عن سيرته الذاتية في قالب أدبي غاية في الروعة. في زيارتنا له اليوم بمعصمه ببني مكادة، بمعية مجموعة من الإعلاميين والكتاب بمدينة طنجة، قال الرجل إنه يفكر في مغادرة البلاد، وسيترك هذا البلد الذي لم يمنحه حقه، ولم يجد أي احتضان للمواهب التي يملكها خاصة على مستوى الكتابة، فهو شاعر وروائي وقاص، بل إن الإقصاء والحصار هو السلوك الطاغي للسلطة تجاهه، وبالتالي لم يعد له مكانا هنا، والرحيل أفضل . أن يصل المرء إلى هذه النتيجة، فمعناه أن سلوك السلطة يحتاج إلى مراجعة جدرية، أليس من حق هذا المواطن أن يعيش في بلده وهو بكل هاته المواهب معززا مكرما ؟ أليس من مهام السلطة بالمغرب أن توفر له ولغيره الحد الأدنى من الحياة الكريمة ؟ ألا تضمن الوثيقة الأساسية للبلاد لأمثال هذه الطاقة الحق في التعبير عن آرائه وبكل حرية ؟ ثم أين هو المجتمع الحقوقي الوطني مما يجري لهذه الطاقة ؟ إن ما يحدث للشاعر والروائي و القاص والكاتب الصحفي ..خالد الصلعي هو نموذج لما يمكن أن تفعله السلطات المغربية بالأصوات المنتقدة، التي تعبر بوضوح عن مواقف صادرة من القلب مما يجري بالمغرب، والغريب أن سلوك السلطة يجري تحت أعين المجتمع بكل تمظهراته السياسية والجمعوية والحقوقية بل وحتى الإعلامية، ولا إثارة للقضية ولا تضامن وكأن الرجل قادم من كوكب فضائي . سبق وأن طالبت الملك بالتدخل في قضايا كثيرة باعتباره ملك للبلاد، ورئيس للدولة، فوجهت بانتقادات شديدة، مضمونها، لماذا تدخلون الملك في كل شيء ؟ وأنا أسأل هؤلاء مجددا، هل تريدون في حالة خالد الصلعي أن نوجه خطابنا لرئيس الحكومة الذي يؤكد في كل مرة، أنه مجرد مرؤوس تابع للرئيس الذي هو الملك ؟ وتدل العديد من الملفات قصر يده وعدم قدرته على التدخل لإرجاع الأمور إلى نصابها ؟ على الملك اليوم باعتباره رئيس الدولة، ويحظى باختصاصات واسعة حسب وثيقة البلاد، أن يتدخل وبشكل آني ليرد الاعتبار إلى الكاتب خالد الصلعي، كمقدمة لإعادة الاعتبار لكل المظلومين والمحكورين في هذه البلاد، وإذا حدث وغادر خالد الصلعي الوطن، فإنها كارثة جديد ستضاف إلى ملفات قديمة، بشأن معارضين سبق وأن غادروا البلاد احتجاجا، وهو ما لا نريده ولا نرضاه، فهل من آذان صاغية ؟ وعقول بصيرة ؟ لتجنيب المغرب كارثة حقوقية جديدة، خاصة وأن الشاعر (الصفة التي يحبها أكثر) خالد الصلعي مصر على إيصال "معركة الأمعاء الفارغة" إلى آخر رمق .