ما إن يطل شهر رمضان حتى يغمر مغاربة إسبانيا، كغيرهم من مغاربة العالم، شعور قوي بالحنين للوطن، ويحاولون التوفيق بين ضغط الحياة اليومية والواجب الديني في أجواء مختلفة تماما. وتعمل الجالية المغربية على خلق الأجواء الحميمية التي تميز هذا الشهر الفضيل في البلد الأم، وذلك من خلال التجمع حول موائد الإفطار ومجالس العلم والتقوى، مؤكدين بذلك تشبثهم بوطنهم، وحفاظهم على تقاليدهم المغربية العريقة. ولا تختلف الأجواء التي يعيشها مغاربة العاصمة مدريد، عن تلك التي يحياها مواطنيهم المقيمين بمختلف مدن إسبانيا، إذ يستعيدون تقاليد وعادات هذا الشهر الفضيل رغم بعدهم عن الوطن، ويتجلى ذلك في مواظبتهم على أداء شعائرهم الدينية، والإقبال على الأطباق التي تعد بهذه المناسبة. وطقوس رمضان عند الجالية المغربية بإسبانيا، التي يقدر عددها بأزيد من 800 ألف نسمة، هي نفسها التي تحياها مختلف الأسر المغربية، فمغاربة هذا البلد الإيبيري يحيطون هذا الشهر الكريم بأهمية خاصة، بل ويبدأون الاستعداد له مسبقا، في أجواء مشابهة لتلك التي توجد في الوطن. وتؤثث موائد الإفطار خلال هذا الشهر الكريم أطباق وحلويات تقليدية من المطبخ المغربي العريق، التي تظل عنصرا أساسيا لاستقبال هذه المناسبة الفضيلة، فكل عائلة تبذل قصارى جهدها، وفي حدود الممكن، للإفطار على الطريقة المغربية، مساهمة بذلك في تعزيز الأنشطة التجارية لعشرات المغاربة الذين يعملون في هذا القطاع بمدريد وغيرها من مدن إسبانيا. ويقبل المؤمنون بكثافة خلال هذا الشهر الكريم على المساجد المنتشرة بمختلف مدن هذا البلد الإيبيري، والتي يعد أكبرها المركز الثقافي الإسلامي في مدريد، المعروف ب"مسجد إمي ترينتا". من جهتها، تنظم الجمعيات المغربية طيلة هذا الشهر المبارك أمسيات دينية ومنتديات حول القضايا التي تشغل الجاليات المسلمة بالخارج، ومحاضرات ودروس يلقيها علماء ومختصون، بينهم أئمة ومرشدات مغاربة أرسلتهم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين في الخارج لهذا الغرض. ووعيا منه بتشبث مغاربة إسبانيا بالإسلام المعتدل الوسطي، أرسل المغرب هذه السنة عشرات الأئمة والمرشدات لتأطير المسلمين وتلقينهم تعاليم ومبادئ الإسلام الحقيقي القائم على المذهب المالكي، والإسهام في الجهود المبذولة لمكافحة تطرف الشباب. وتنظم جمعيات أخرى موائد إفطار جماعية يتوافد عليها المسلمون وغير المسلمين من أتباع الديانات الأخرى، في أجواء مفعومة بالحوار والتعايش، إلى جانب تعريفها بمبادئ الإسلام وقيمه النبيلة، وتعزيز التعايش بين مختلف الجاليات المقيمة في هذا البلد. فلشهر رمضان في مدريد وفي إسبانيا عموما، حيث لا زالت المعالم التاريخية تقف شاهدة على الماضي المجيد للحضارة الإسلامية، طعم خاص جدا، إذ أنه يتيح التوفيق بين أداء الشعائر الدينية والعلاقات الإنسانية القائمة على التشارك والتعايش ومتطلبات المعيش اليومي في الغربة. (*) و م ع