ما فتئ القفطان، ذلك اللباس الأنيق والمريح، يشهد تحسنا على مستوى النسج والتطريز من أجل إسعاد حواس من تلبسه، ويمثل القفطان لوحده سفرا لا متناهيا لعشاق الموضة في متاهات تاريخ عريق صقلته الخبرة وفن العيش الأكثر أصالة. وإذا كانت تقطيعاته تشهد تحديثا موصولا ونسيجه يأتي من جهات الأرض الأربع، فإن القفطان حافظ في المقابل على روحه واستلهم خلاصة ابتكار المصممين المغاربة. وقد بدأ القفطان، المزين بالجواهر والتطريز وعمل "لمعلمين"، بتقطيعاته التي توائم هيئة لابساته، يتناغم مع فساتين الأمسيات مع الحفاظ على الخطوط التقليدية المحددة بشكل جيد. ويسعى المصممون المعاصرون إلى الاستجابة لمتطلبات المرأة المغربية، التواقة إلى التوفيق بين الأصالة والمعاصرة. وقد ربح البارعون من المصممين الرهان وعرفوا كيف يضفوا طابعا معاصرا على القفطان دون تشويهه. وقالت فوزية الناصري، مصممة أزياء نسائية، إن "المرأة المغربية باتت متطلبة أكثر فأكثر لكونها ترعرعت في ظل ثقافة وتقليد القفطان". وأبرزت السيدة فوزية ، التي تعتزم تصميم وإنجاز مجموعات من القفاطين، " أحيانا يمكن أن نخلص إلى أن كل امرأة مغربية على حدة قادرة على تصميم قفطانها الخاص، إنها في بحث متواصل عن أدوات ذات جودة عالية وعمل محكم وأداء جيد من أجل تحقيق عمل إبداعي خالص وموصول ينسجم تمام الانسجام مع القفطان الذي ترتديه ". بدورها، قالت المصممة الشابة كريمة دراع إن "المرأة المعاصرة ترغب بشكل متزايد (في تصميم قفاطين) تحت الطلب تمكن من التناغم بشكل أكبر مع هيئة المرأة بكل أناقتها". وذكرت مصممة "شوشة قفطان" أن القفطان، المصمم بطريقة تتناغم بشكل أمثل مع هيئة (من تلبسه)، خضع لرياح التحديث من أجل تسهيل ارتدائه"، مبرزة أنه "يظل مزينا دائما بسحر يستمده من تاريخه الأسطوري". وأضافت أن "القفطان المغربي كما عرفناه حتى بداية القرن العشرين يشمل تقطيعتين مختلفتين، أولاها من فاس والثانية من تطوان، حيث كان الأول ( القفطان)مستقيما وطويلا بينما كان الثاني واسعا وقصيرا، وحاليا بات مختلطا ولم تعد هنالك حدود بين "عاصمتي" القفطان. كما قالت السيدة فوزية إن القفطان حقق تطورا كبيرا على امتداد تاريخ البشرية، ففي مرحلة أولى، كان بمثابة بذرة عبرت العديد من الحضارات لتستقر بالمغرب، ومن ثم اتخذ كلباس للاستعراض والحفلات وتم تزيينه، ووضع "تزويق" "المعلم" عليه، وعمد لاحقا الى إضافة الجواهر عليه لإعطائه أكر قدر ممكن من الألق". وأضافت أن "القفطان كان لباسا رجاليا يصنع من مواد سميكة، وحاليا هو لباس نسائي بامتياز يصنع من مواد رشيقة للسمو بمن تلبسه ويعطي قيمة إضافية للنساء مع احترام الانسجام مع أجسادهن". وخلال هذا العام، أدخلت السيدة فوزية اللون والضوء على إبداعاتها (من القفاطين) لتجعلها براقة بشكل أكبر، فيما يستمد كل قفطان استلهامه من موضوع خاص. وقالت في هذا الصدد "أستلهم (أعمالي) بالتحديد من التراث الثقافي المغربي كالتطريز الملون الذي نجده في الزرابي والملابس الأمازيغية، وكذا في التطريز والفخار بفاس كما هو الشان بالنسبة للزليج برياضات مراكش أو الحدائق المزهرة ". وكانت النساء العربيات والمسلمات (في مقدمة) من يرتدين القفطان الشرقي المغربي والأندلسي الأصل منذ القرن الثامن ، وكان في أول الأمر عبارة عن لباس استعراضي يلبسه الأغنياء ولم يكن يقتصر على حفلات الزواج. وبالمغرب، وبحسب المناطق، فان هذا اللباس سيشهد على مدى قرون عدة تحولات ، إذ انه توجد في المغرب أربعة أصناف من القفاطين (الشمالي والفاسي والمكناسي والرباطي). ويرى البعض ان القفطان مشتق من أزياء الإمبراطورية العثمانية، في حين يرى آخرون أنه منبثق من الأقمشة الرومانية التي نجدها في "الحايك" التقليدي، كما ان القفطان كان في الأصل حكرا على الرجال ، وكان اللباس الوحيد المفضل لدى النبلاء، من بغداد الى قرطبة، ومن دمشق الى اسطنبول، وقد خضع على مر قرون عدة للعديد من التأثيرات الى أن أصبح لباسا رمزيا للمملكة خلال القرنين ال 11 و ال 12. وكان يجب انتظار القرن ال 17 ليدخل ضمن قائمة الملابس النسائية، وفي القرن ال 19، بينما كان المغرب يعرف إشعاعا اقتصاديا مدويا، كان القفطان يلامس للمرة الأولى لباس "البراوكارت" الليوني أو الحرير المستورد من الصين. ومنذئذ، بات القفطان، باعتباره مسرح تعبير فني لا ينضب، مرتبطا بالطرازات الفاسية حينا، أو بنظيرتها المتعددة الألوان لتطوان ، أو بسلاسل الحرير الرباطية، وتعد "السفيفة والكتان والمرمة والدرس" المفاتيح الرئيسية لهذا الخليط الثقافي الفريد من نوعه. (*) و م ع