أضحى تبادل التحية دون مصافحة أو تقبيل أمرا واقعا بدأ المغاربة يتأقلمون معه في أيامنا هاته، فكثيرا ما تسمع الأصدقاء أو الزملاء في العمل يمازحون بعضهم البعض مرددين “رجاء عدم لمسي.. حتى إشعار آخر”، وهي عبارة بقدر ما تحمل في طياتها قدرا من المزح، فإنها تحيل على جدية الموقف في زمن تفشي فيروس كورونا. هي إذن أيام ينتشر فيها “كوفيد-19″، القاتل المتسلسل الذي يتربص بالبشرية جمعاء، غير مفرق بين جنسية أو هوية ثقافية أو لغوية أو إثنية، مخلفا الآلاف من الضحايا في مختلف أنحاء العالم، ومتسببا في حمى الحرص المفرط على النظافة والالتزام بالمعايير الوقائية، من منطلق الإدراك بأنه لا مفر من الفيروس الفتاك بمعزل عن التقيد بالتعليمات والنصائح الطبية. فقد أصبح هذا الفيروس الذي يبقى على اليدين لأزيد من ساعتين، كما يقول جل الباحثين وعلماء الجراثيم والأوبئة- مثله مثل شبح يطوف آناء الليل وأطراف النهار متربصا بضحاياه الذين ترتعد فرائصهم وترتعب نفوسهم من ذكره. وفي ظل تناسل الأخبار والتأرجح بين زيف بعضها وصدقية بعضها الآخر، أصبح الناس شيبا وشبابا، ذكورا وإناثا، يتوجسون من عادات كانت إلى الأمس القريب دليلا على المحبة وحسن المعاملة، وتصنف في باب الأخلاق الحميدة واللباقة والتعامل الجيد، ليصبح شعار هذه الأيام، حتى وإن لم تتلفظ به شفاه البعض: “ابق بعيدا.. الرجاء عدم اللمس”. فقد تحول عدم أداء التحية التقليدية إلى “تحدي” بالنسبة للكثيرين، فمن المصافحة والتقبيل إلى أداء التحية بالمرافق أو الأرجل، أو حتى استلهام طرق أخرى تعتمد التلويح عن بعد، في ما يعد أساليب جديدة بدأت في الانتشار مع استمرار تفشي فيروس كورونا المستجد الذي ينتقل بسرعة البرق بين البشر. وغدت تعابير عامية عديدة من قبيل “ما تسلم عليا ما نسلم عليك”، و”لكلام من غير سلام”، وغيرها تؤثث منطوقنا اليومي، حيث تكاد تسمعها على شفاه جميع المغاربة بدروب وأزقة الأحياء الشعبية والراقية على حد سواء. “شد سلامك عندك”، هكذا قال أحد الظرفاء الذين قابلتهم وكالة المغرب العربي للأنباء بالشارع العام، وهو يرددها على مسامع كل من يصادفه في طريقه، حرصا منه على تجنب إيقاظ المارد القاتل. وفي معرض شرحه لموقفه، يؤكد أن “ذوي الاختصاص في علم الأوبئة والفيروسات أكدوا أن درء الإصابة بهذا الوباء الفتاك، غير ممكن بدون الالتزام بمجموعة من الضوابط، أهمها تفادي المصافحة، لأنها الوسيلة الأكثر سهولة لانتقال فيروس كورونا بين الناس”. وفي زمن التوجس والخوف الذي يسيطر على مختلف بلدان العالم، ومن بينها المغرب، أصبحت للوباء صور متعددة في المخيال الفردي والجماعي، وامتزج الحديث عنه بكثير من الفكاهة والهزل. فهذا مصطفى، نادل بأحد المقاهي، يقول بعد أن توقف عن العمل في إطار التزامه بتدابير الحجر الصحي، إنه لم يعد يصافح أحدا، معلقا على الأمر بقوله “كورونا ما تسلمي علي ما نسلم عليك” و”إيلا لقيتي كورونا ميك عليها راها تعديك”، ليقينه التام بمدى شدة وقساوة هذا الفيروس الفتاك. أما عبد السلام، وهو إمام بأحد المساجد، فيكشف في حديث مماثل، بأن “خير دواء لهذا الداء هو أن نقي أنفسنا وأهلينا، في هذا الوقت العصيب، بترك السلام على الناس باليد حتى إشعار آخر”، مستشهدا بقوله عز وجل “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، وهي الآية الكريمة التي يحرص عبد السلام على ترديدها وتذكير الناس بها إيمانا منه بأن الوقاية أفضل من العلاج، واقتداء منه بالسلف الصالح، الذي كان يعمل بقاعدة “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، لاسيما عند حلول الآفات والأوبئة. كما يحرص المغاربة على احترام مسافة الأمان بينهم، وهي قاعدة أضحت تترسخ تدريجيا بين الناس. فهذا امحمد، صانع ديكورات خزفية يقول كلما مر بأحد من معارفه “غير الكلام.. سمحنا ليكم بلا سلام” و”ممنوع السلام ..خلي مسافة الأمان”. وفي إطار إضفاء بعض الهزل عند تطبيق هذه القواعد الصحية التي أضحت واجبة على كل شخص، استوحى الكثيرون عبارات من أغاني وقصائد شعرية معروفة للتعامل مع الوضع الجديد كأغنية “خليك بعيد” للفنانة نجاح إبراهيم، و”لو مريت ﻻ تسلم علي” للفنان جاسم فوني، و”كتلك لا تسلم” للشاعر علي المحمداوي ..، بأسلوب فني وجمالي لا يخلو من الدعابة أحيانا، وللتحذير من “آفة” العناق والمصافحة باليد في زمن الحجر الصحي، أحيانا أخرى. “القاتل يطوف بيننا” هذه هي القناعة التي باتت راسخة في نفوس الجميع، لذلك أصبح لزاما توخي الحيطة والحذر والالتزام بكل الاحتياطات الصحية والإجراءات التي فرضتها السلطات المختصة إلى حين مرور “عاصفة” الجائحة.