– هشام الراحة (*): ما أن تطأ قدماك على ما تبقى من غابة "فرنساوي" الواقعة بحي بندبان، ويغزوك نسيمها المملوء بطيب الزنبق والريحان، حتى يتأكد لك أن طنجة لم تكن يوما فقط مدينة تجارية بحكم موقعها الجغرافي، ولا مدينة اقتصادية فقط بسبب الاستثمارات المتزايدة على قطاعاتها المختلفة، ولا مدينة سياحية فقط بسبب الوفود المقبلة من مختلف الدول والثقافات العالمية الأخرى. وإنما أيضا وقبل كل شيء مدينة طبيعية غابوية حظيت بمساحات خضراء مهمة، جعلت منها مدينة وردية تسحر بجمالها وجلالها كل كاتب وفنان. هذه الغابة التي تحمل اسم جنسية أحد الأشخاص الذين قطنوا بها مدة من الزمن، وهو فرنسي بلا شك، كانت إلى حدود الثمانينات من القرن المنصرم لا تزال غابة كبيرة وتتضمن أحد مسابح الاستجمام، لكن لم يتبقى من ذلك الكبر اليوم إلا جزءا صغيرا، بسبب التوسع العمراني أولا، وبسبب الحرائق ثانيا، وهو الحال الذي ينطبق على باقي المناطق الخضراء بطنجة، التي تقدر مساحتها إجمالا بحوالي 21 ألف هكتارا. وحسب الفاعل الجمعوي، محمد سلمون، عن مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة للصحيفة الرقمية "طنجة 24"، فإن "ما تعاني منه الغابات الحضرية بشكل عام، هو التوسع العمراني الجائر، من خلال مسطرة استثناءات سيئة السمعة والتعمير العشوائي الذي يتم بتواطئ مع بعض المسؤولين". ويستحضر سلمون في تصريحه "الأطماع المحدقة بغابة السلوقية ومحمية كاب سبارطيل بصفة خاصة، ولعل الغابة الديبلوماسية التي أجهزت المشاريع السياحية الأجنبية والمغربية على نصف مساحتها لخير دليل على ذلك". وقد سجلت آخر الاحصائيات ما لا يقل عن 28 حريق أتى على حوالي 121 هكتارا من الغابات، وترجع أسباب هذه الحرائق أساسا إلى دوافع إجرامية تهدف إلى حرق الغابات كمرحلة أولى لفتحها أمام الزراعة والتملك أو أمام البناء، حسب التقرير السنوي للمرصد سنة 2014، الذي سجل أيضا اندثار مجموعة من الغابات الصغيرة، في منطقة المرس بمقاطعة بني مكادة، وكذا الترخيص للبناء بالمحمية الطبيعية للبرانص القديمة بالرهراه. وأمام هذه الشراسة في اجتثاث كل ما هو أخضر وخشية انقراضها، إلتفتت مقاطعة بني مكادة في مبادرة لإعادة الاعتبار لغابة "الفرنساوي"، في مشروع يهم إعادة التشجير والتسييج من أجل إنقاذ ما تبقى من الغابة المذكورة وجعلها فضاءا يتيح للمنطقة أن تحضى بمنتزه يليق بتطلعات مدينة. محمد خيي رئيس مقاطعة بني مكادة يقول في تصريح لصحيفة طنجة 24" أن هذا المشروع يندرج ضمن مخطط المقاطعة، من أجل الرفع من مستوى رقي المدينة، والحفاظ على إرثها الطبيعي الغني، وجعل غابة الفرنساوي فضاءا يستفيد منه السكان عبر تجهيزه بما يلزم به أي منتزه". وتحفظ خيي، عن الإدلاء بأي معطيات متعلقة بالقيمة المالية المرصودة لإعادة الاعتبار لهذا الفضاء الطبيعي. وعموما تبقى المساحات الخضراء بمدينة طنجة بحاجة إلى المزيد من المبادرات والإهتمام الجدي من مختلف الفاعلين والمسؤولين وجمعيات المجتمع المدني والمتطوعين، من أجل التصدي لأشكال القضاء على المناطق الخضراء، والاعتناء بهذه المدينة وحمايتها قبل أن تصبح أرضا يأبى طير أن يرفرف في آفاقها يوما .