حين يتعلق الأمر بمسألة احتلال الأوطان واقتطاع مساحات شاسعة من أراضيها ، وتشريد شعوبها في ظل وجود قوى استعمارية مهيمنة ومتحكمة في الشعوب المستضعفة، التي تعاني من هشاشة على مستوى بنيتها الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية ، فهذه الهيمنة قد نعتبرها مبررة إلى حد ما ،هذا إذا استحضرنا أو سلمنا بقانون الغاب “ القوي يأكل الضعيف “ ، ولكن حين يتم احتلال و إحكام السيطرة على المِلْك العام بالمدن المستقلة، التي تعرف نموا اقتصاديا متسارعا وإقبالا سياحيا منقطع النظير، من طرف مستثمرين وتجار ينتمون لنفس البلد الواحد عرقيا وجغرافيا، وهنا أخص بالذكر وطننا الحبيب المغرب ، فهذا أمر يستدعي وقفة قانونية وحقوقية لردع كل من سولت له نفسه التمادي على الأملاك العمومية وجعل المواطنين يتزاحمون ويتحركون في الكيلومتر المربع الواحد كأنهم في زنزانة مكبلين بالأصفاد، فهذا الصنف من البشر، الذين لا يملأ جوفهم إلا التراب ، يعتبرون أنفسهم غير معنيين بالنص القانوني المغربي ، أو بعبارة أخرى هم يعلون على القانون ولا يعلى عليهم ، فمدينة طنجة على سبيل المثال لا الحصر، أصبحت تعيش كباقي المدن الكبرى تحت وطأة ورحمة السماسرة الذين يبيحون استغلال الإنسان والمجال على حد سواء ، مساهمين بذلك في استعمار داخلي لمدينة البوغار بمشاريعهم الاقتصادية، ولا سيما التجارية منها، غير المرخص لها ،حتى وإن تم الترخيص لها فهناك تجاوزات شتى تطال هذا الترخيص القانوني، فأينما يممت وجهك في طنجة، الحرة ،إلا ويصدمك مشهد الشوارع الكبرى والأزقة التي تم احتلالها من طرف الباعة المتجولين، الذين ينتظرون التفاتة الجهات المسؤولة عن تسيير الشأن المحلي للنظر في وضعيتهم الاجتماعية الغير مستقرة،وذلك بإيجاد أماكن أو أسواق تأوي وتضمن قوت عيش هذه الشريحة من المجتمع ،بدل أن تنهج معهم السلطات سياسة الكر والفر، فمخلفات هؤلاء الباعة من حيث أطنان النفايات التي يتركونها وراءهم بعد انسحابهم من الطرقات والأزقة، تسبب اختلالا بيئيا واختناقا مروريا يرخي بظلاله على ساكنة طنجة ومرافقها وجمالها بصفة عامة،كما أن هناك ممارسات أخرى تجعل طنجة مستعمرة داخليا ، ولاسيما من طرف أصحاب المحلات التجارية الكبرى ، وخصوصا أصحاب المقاهي و المطاعم الذين يستغلون البر والجو بأبشع الطرق، غير مبالين بحق الغير في استغلال هذا المجال وفق ما يسمح به القانون بطبيعة الحال. فالمتجول في طنجة اليوم أصبح عرضة لمجموعة من الحوادث الخطيرة بسبب احتلال أصحاب المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية للرصيف المخصص للراجلين، حيث يفرض هؤلاء على المارة، ولاسيما النساء منهم والشيوخ وحتى الأطفال ،لأن هذه الفئة من المجتمع تبقى الأكثر عرضة لحوادث السير، الدخول في مواجهة مباشرة مع أصحاب السيارات والحافلات ، حيث يتقاسمون معهم هذا الممر المميت .زيادة على ذلك تبقى مجموعة من المقاهي، التي تؤثث فضاء طنجة الكبرى، لها امتدادات على الشارع، حيث تصطف لجنة تحكيم" رُّوَاد هذه المقاهي" على قارعة الطريق، لتجري عملية “ السكانير “ على مورفولوجية المارة جيئة وذهابا، إلى درجة يتم فيها اختراق أعين هذه اللجنة الهندام لتلامس الجسد مباشرة ،في مس صارخ لتعاليم الدين الإسلامي، ولأخلاق نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ،الذي نادى بضرورة إعطاء الطريق حقه، فالذي يدعو للتساؤل والحيرة في نفس الوقت، كيف يتم السماح لأصحاب هذه المشاريع العبث واستغلال مثل هذه الفضاءات العمومية بلا قيد ولا شرط ؟، والأدهى والأمر مساهمتهم في مضايقة المارة عن طريق التحرش العلني الذي يمارسه مرتادوا هذه المقاهي على أخواتنا وزوجاتنا وأمهاتنا، وخصوصا حين يفرض أصحاب هذه المحلات على المارة المرور وسط المحتسين للقهوة والشاي ، وفي كثير من الأحيان ملامسة ركبهم، أما بعضٌ من مموني الحفلات فقد جعلوا من الشوارع الكبرى، الرئيسية منها والثانوية، أحسن فضاء لإعداد قاعات أفراح متحركة، كأنهم يسعون إلى تقريب الإدارة ، عفوا ، القاعة من المواطن ، مساهمين بذلك في عرقلة سير الراجلين ووسائل النقل ، أما الغريب في الأمر قد تجد بعض الخيام نصبت لأسبوع كامل بلا حسيب ولا رقيب . فهذا الاستعمار الوحشي للملك العمومي يفرض علينا التوجه بأصابع الاتهام للهيئات المسؤولة عن توزيع الرخص لمثل هكذا مشاريع، وهل يتم استحضار أو مراعاة حرمة المرفق العمومي في دفتر التحملات ؟، أم أن الأمر يتعلق باتفاق وُدِّي ومنفعي بين المرخِّص والمرخَص له في مسألة خرق القانون واحتلال البلاد والعباد.فنحن لن نسمح بمثل هذه الممارسات اللامسؤولة التي تُفْرَض علينا من قِبل أصحاب المشاريع التجارية، الذين لا يعيرون اهتماما للقوانين الوضعية ولا الإلهية، ضاربين بذلك عرض الحائط إرادة الدولة والمجتمع، مقابل تحقيقهم لمنافع شخصية ومادية صرفة ، كما أنهم بمثل هذه الخروقات يساهمون في فتح الباب على مصراعيه للدخلاء( الأجانب ) الذين عثوا فسادا في أوطاننا بحجة أننا لا نحترم بعضنا البعض ، ولا نلتزم بالنصوص القانونية المؤطرة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفق عليها دوليا ، الشيء الذي يستغله الغرب أيما استغلال لينعتنا بالمتخلفين والغير حضاريين في كل فرصة تتاح له ، حقيقة طالما لا نحترم ديننا ولا وطننا ولا بعضنا البعض، فكيف نطلب من الآخر أن يحترمنا وأن لا يفكر في استغلالنا واحتلالنا؟. فهي رسالة موجهة لكل فعاليات المجتمع المدني، وكذلك مؤسسات الدولة بأن يساهم كل من موقعه في تخليق الحياة العامة، وأن يفكر في المصالح المشتركة للمواطنين ، كما يجب على الجماعات المحلية بتنسيق مع الهيآت الحكومية وكذلك جمعيات المجتمع المدني وحتى الإعلام المغربي، أن يتجندوا جميعا لمحاربة مثل هذه الظواهر المشينة السالفة الذكر، مع توعية المواطن بضرورة احترام المرفق العمومي ،واستغلاله وفق ما ينص عليه القانون.