- المختار الخمليشي: لم يكتب لسنة 2015، أن تطوي صفحاتها الحافلة بمتناقضات الحياة من حزن وفرح وأزمات وانفراجات وغيرها، إلا وكانت يد المنون قد جالت، كما أملى عليها القدر، لتأخذ معها إلى دار البقاء زمرة من الناس، بينهم شخصيات ثابرت وأبدعت ثم أفضت لما قدمت إليه. العام الذي لم يعد يفصل عن نهايته سوى أيام قليلة، يمكن اختزالها في ساعات، كان عاما ثقيلاً وحزيناً فعلاً بالنظر إلى قيمة الأسماء والأعلام الذين التحقوا إلى دار البقاء وودعوا هذه الدنيا الفانية، بعد أن كانت حياتهم مرادفا لألوان شتى من العطاءات والإبداعات في مختلف المجالات. ولأن الموت لا يستثني أحدا من بني الإنسان، وإن كان في حصون مشيدة، فقد رزئت الساحة العلمية والثقافية بشمال المغرب، بقافلة من الأعلام رفرفت رايات وداعهم في هذه السنة فذهبت بعيدا فيما خطوات الرحيل تركت آثارا مميزة لا تمحى. العلامة عبد الله المرابط الترغي، صاحب العلم الغزير في حقل التراث والتاريخ المغربي والأندلسي، كان ضمن أفراد هذه الكوكبة المنيرة من الأعلام، الذين خلفوا الدنيا وراء ظهرهم، في هذه السنة، وتحديدا يوم السبت 6 يونيو2015. فهذا العلم الفكري والعلمي، الذي رأى نور الدنيا بين أسوار المدينة العتيقة تطوان سنة 1944، من العلماء البارزين الذين استهواهم التراث المغربي والأندلسي فغاص بين ثناياه منقبا وباحثا ومحققا ودارسا، جعلته يخلف إرثا ثقافيا وإضافة جادة إلى التراث المغربي، وتوجد بمدينة طنجة، مكتبة تراثية تحمل إسمه، وهي عبارة عن منشاة ثقافية وفكرية تضم العديد من المؤلفات والكتب، قام الراحل بتحبيسها لفائدة طلبة العلم والباحثين في مختلف المجالات الفكرية والثقافية والأدبية. وقبل ثلاثة أيام من رحيل العلامة عبد الله الترغي، كان المشهد الإعلامي في مدينة طنجة، مع مصاب لا يقل جللا عنه، حيث أسلمت الروح إلى بارئها يوم الأربعاء 3 يونيو، الإعلامية شفيقة صباح، إحدى رائدات الإعلام المغربي، خلال تلقيها العلاج من مرض بإحدى المصحات الخاصة بمدينة الدارالبيضاء. وارتبط اسم الراحلة، بالعديد من البرامج الإذاعية منها "أصوات من الضفة الأخرى" الذي كان يعنى بالتقارب الثقافي والفني بين المغرب وإسبانيا ودول أمريكا اللاتنية، لِما كانت تمتلكه الراحلة من ثقافة إسبانية واسعة، وإتقانٍ للغتها، إلى جانب باقة أخرى من البرامج كَ" بلا حدود " و " دنيا الأطفال " و"صباح الخير" وغيرها من البرامج التي ورغم اختلاف مضامينها. وفي مجال الإعلام أيضا، كان القدر قد وقع اختياره أيضا على ابن مدينة تطوان، وزير الاتصال السابق، محمد العربي المساري، الذي اسلم الروح إلى بارئها ربها في ال 25 من يوليوز، ن عمر يناهز 79 سنة خلف فيها العديد من الأعمال والانجازات الشخصية في مجالات متعددة. وإذا كان من المسلم أن لموت صفوة المجتمع، ممن قدموا الكثير والنفيس خلال حياتهم الطويلة والحافلة، فإن الوقع يكون أشد وأقسى، عندما يتعلق الأمر بمن كان يتطلع لمزيد من العطاء والإبداع، لأنه ببساطة ما زال في ريعان حياته، وهنا يحضر بقوة اسم المخترع التطواني الشاب، عبد الله شقرون، الذي لم لمهله العمر سوى 31 سنة، تفتقت عبقريته العلمية عن 37 ابتكارا مسجلا باسمه. عبد الله شقرون، الشاب الذي توفي يوم 6 نونبر الماضي، صنف في 2005 ضمن المخترعين العالميين بفضل اختراعه للمحرك الدوار "المدور مربع"، كما صُنف سنة 2012 باعتباره المغربي والعربي المسلم الوحيد في لائحة المصممين الدوليين الذين يفكرون في تكنولوجيات 2025. وقبل أن تسدل سنة 2015 ستارها، أبت منذ أيام قليلة إلا أن تنتهي معها حكاية وجود المؤرخ التطواني محمد قشتيليو، المؤرخ الذي اهتم بالتاريخ الاندلسي والموريسكي الذي يعتبر هو نفسه أحد أحفاد صانعي هذا التاريخ، قد ودع الدنيا في 22 دجنبر الجاري عن عمر يناهز 92 سنة، مخلفا ورائه مؤلفات من بينها "محنة الموريسكوس في اسبانيا". "كل نفس ذائقة الموت"، وتلك سنة الحياة، ولا أحد يعوض الآخر مهما اقتفى أثره، ولكن بالرغم من هذا المصاب الجلل، تبقى فعالية الموت محدودة في تغييب أشخاص عن هذه الدنيا، لأن عطاءاتهم العلمية والغزيرة، تبقى عصية على النسيان، رغم أن أصحابها قد رحلوا بدون استئذان.