– متابعة: تتعالى أصوات المصلين في مختلف مساجد مدينة طنجة، عقب الانتهاء من كل صلاة، مرددة أدعية وابتهالات إلى الله عز وجل، أن يغيث عباده وبهيمته، في الوقت الذي ما تزال فيه السماء تحبس أمطار الخير والنماء. وبعد مرور أسبوع كامل، بعد إقامة صلاة الاستسقاء، امتثالا لتعليمات الملك محمد السادس، واستحضارا لسنة نبوية كلما انحبس المطر، ما تزال أعناق الناس مشرئبة نحو السماء، متطلعة إلى السحب العابرة، لعلها تكون عوارض ممطرة، فيها الرحمة والغيث للبشر والحجر والحيوان. وتتمثل هذه الأدعية التي بات المصلون يحرصون على إتيانها بعد كل صلاة مكتوبة في اليوم الليل، لتحل محل الأذكار المعتادة، في أدعية واردة في الكتاب والسنة، وأخرى مأثورة عن شيوخ لهم مكانة اعتبارية مهمة في وجدان المغاربة وغيرهم من المسلمين. "اللهم اسق عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت"، هذا واحد من الأدعية التي تفارق ابتهالات المصلين إلى الله عز وجل بعد السلام الذي تنتهي به كل صلاة من الصلوات الخمس، وهو واحد من الأدعية التي توارثها سكان طنجة وعموم المغاربة عبر تاريخ طويل. وهناك أدعية أخرى مستمدة من القرآن الكريم من قبيل "اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا". ويلفت الباحث والمؤرخ، رشيد العفاقي، إلى أن الأدعية التي ما زال الناس في طنجة يرددونها، ما زالت محافظة على نفس الكيفية. مستبعدا أن تكون قد طرأت لعيها تغييرات. ويوضح العفاقي، ضمن حديث مع صحيفة طنجة 24 الإلكترونية، أن الناس منذ غابر الأزمان، كانوا يقدمون لصلاة الاستسقاء خيرهم، كما تبين ذلك قصة زياد بن عبد الرحمن الفقيه الأندلسي(ت193ه) في الاستسقاء بالناس. وخلاصة هذه القصة كما رواها محمد بن قاسم، في أنه "اجتمع رأي العلماء والقضاة، وغيرهم من أهل الخير، في تقديم زياد بن عبد الرحمن للصلاة بالناس في الاستسقاء، وكانت العادة في ذلك الوقت، أن لايُقدَّم للصلاة في الاستسقاء إلا أفضل من علموا في وقتهم، لا ينظروا إلى قاض في ذلك، ولا إلى صاحب صلاة، فبعث الأمير إليه بأمره بالخروج إلى الاستسقاء، فلما أن كان في يوم ثان خرج للاستسقاء، والصحو شامل، فقال لغلامه: خُذ الممطر معك، فإن الماء معنا إن شاء الله. وكان مجاب الدعوة. فَنَهَض إلى المصلى فاستسقى، ودعا، فما فرغ من دعائه حتى أتت السحاب من كل ناحية، وأتى المطر بإذن الله، وسُقوا سقياً عاماً وابلاً بحمد الله تعالى. كتاب المستغيثين بالله تعالى عند المهمات والحاجات(160-161)". والأسبوع الماضي، التأم شمل المئات من المومنين، بمختلف مساجد مدينة طنجة، على غرار باقي مدن المملكة، لأداء صلاة الاستسقاء، طلبا للغيث، عملا بالتعليمات التي وجهها الملك محمد السادس، لإحياء هذه السنة النبوية، كلما انحبس المطر. وقد دأب المغاربة على إقامة صلاة الاستسقاء كلما انحبس المطر، وذلك استدرارا لرحمة الله وجوده وعطائه عملا بقوله تعالى، الذي سبقت رحمته غضبه، والذي لا يخيب من رجاه وتوجه إليه، "ادعوني أستجب لكم"، وقوله عز وجل "استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا".