تتراءى نبتات القنب الهندي الخضراء في حقول متناثرة بين أحضان جبال الريف على طول الطريق التي تخترق هذه المرتفعات في إقليمشفشاون، وجلها من فصيلة “كريكيتا” الهجينة التي غزت تلك الحقول لمردودها المرتفع رغم خطورتها. ويحاول هشام (27 سنة) تحسين دخله بزراعة “الكريكيتا” في حقل صغير، بعدما عمل لسنوات لدى كبار المزارعين منذ انقطاعه عن الدراسة في سن الخامسة عشرة. لكنه “لا يدخن سوى الحشيشة “البلدية” (…) “الرومية” رديئة”. وتوارث مزارعو القنب الهندي شمال المغرب بذورا محلية صنعت سمعة الحشيشة “البلدية”، قبل أن تغزو البذور الهجينة أو “الرومية” كما تسمى في البلاد حقول المنطقة. وتظل هذه الزراعة أمرا واقعا رغم أنها ممنوعة قانونا منذ خمسينات القرن الماضي. ويفسر استعمال هذه البذور الهجينة استمرار المغرب في تصدر قائمة منتجي الحشيشة في العالم، “رغم تقلص المساحات المزروعة” وفق تقرير للمرصد الفرنسي للمخدرات والإدمان. وكانت المملكة مصدرا لربع الكميات المصادرة من هذا المخدر في العالم بين 2013 و2017، وفق تقرير لمكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة صدر في حزيران. وتكسو نبتات “كريكيتا” الخضراء سفح جبل غير بعيد عن المقهى الذي يتسلى فيه هشام وأصدقاؤه بمتابعة أفلام على قنوات فضائية وتدخين الحشيشة، “لتناسي البطالة”. ويمتد الحقل في شكل مدرجات من سفح الجبل حتى قارعة الطريق المعبدة، المؤدية نحو مدينة الحسيمة عاصمة الريف، وسط جبال مترامية على امتداد البصر. وبجانب النبتات ذات الرائحة القوية خزان ماء بلاستيكي مكعب ترتوي منه النباتات بالتنقيط عبر أنابيب في سكون تام، لا يهزه سوى منظر زخات مطر تصب على المرتفعات الواقعة في الجانب الآخر من الوادي. وتعد “كريكيتا” آخر صيحات البذور الهجينة التي انتشرت في المنطقة بعد أنواع أخرى تجاوزها السوق مثل “باكستانا” و”خردالة”… وتنافسها حاليا بذور هجينة أقل انتشارا مثل “أمنيزيا” و”غوريلا” و”بورش”. ويوضح الباحث في علم الأناسة خالد مونة أن “كريكيتا (كريكيتال) طورت في مختبر بهولندا مثل كل البذور الهجينة التي تخترع في أوروبا وأميركا الشمالية (…) وتدخل إلى المغرب بواسطة منتجين كبار يوجهون السوق. لقد أصبح تهريب البذور الهجينة جزءا من سوق تهريب المخدرات”. وتظل الحشيشة “البلدية” أرفع قيمة إذ يصل ثمن الجيدة منها حتى 10000 درهم للكيلوغرام الواحد، مقابل نحو 2500 درهم لحشيشة “كريتيكا”. لكن قنطارا واحد من الأخيرة ينتج ما بين 5 إلى 10 كيلوغرامات، بينما لا يتعدى محصول “البلدية” كيلوغراما واحدا من كل قنطار، وفق شهادات متطابقة. وبلغت مساحة الأراضي التي تحتلها هذه الزراعة في سنة 2017 حوالى 47 ألف هكتار، بحسب تقرير مكتب الأممالمتحدة الأخير حول المخدرات.