بعد أن نجحت بذور القنب الهندي الأفغانية في التسلل إلى حقول كتامة والريف وباب برد، قبل عقدين من الزمن، حان الدور على عينات جديدة من الحشيش القادم من أمريكا اللاتينية ليبسط هيمنته على سوق الإنتاج ويزيح الحشيش المغربي، الذي حافظ على سمعته في السوق الدولية لعقود، قبل أن تدخل مافيا التسويق لتحاول التحكم في نوعية الإنتاج وفق منطق الطلب. المكسيكية هي أحدث نبتة قنب هندي تسربت إلى المغرب على شكل بذور لتجد في الحقول الموزعة بين منطقة كتامة والريف رحما خصبا لإنتاج جيل جديد من المخدرات, التي توجه بالأساس للسوق الدولية، لتضاف المكسيكية القادمة من دول أمريكا اللاتينية إلى عينات جديدة، كشفت أن زراعة الكيف تطورت وأصبحت تستعين ببذور معدلة وراثيا، ولها قدرة على إعطاء كميات مضاعفة من غبار القنب الهندي بألوان مختلفة وبنشوة يتفاوت مفعولها. يقول –ص- وهو فلاح خبر جيدا سوق الحشيش وتقلباتها، بعد أن اشتغل لسنوات مع شبكات تهريب دولية قبل أن يقرر التوبة عقب عقوبة سجنية، إن «المكسيكية ليست الوحيدة التي تسللت إلى حقول الكيف المغربي، بل ظهرت أصناف أخرى تحمل أسماء غربية مثل «النشبة» وعينات أخرى تحمل أسماء الفواكه، مثل «الافوكا» وهي بذور تختلف كثيرا عن بذور الحشيش المغربي، التي تتميز بصغر حجمها وهشاشتها ولونها الفاتح، في حين أن البذور القادمة من وراء الجبال والبحار لها لون قاتم وبنيتها قوية مثل قوة الإنتاج الذي تمنحه للفلاح. وأشار نفس المصدر إلى أن معظم مزارعي الكيف أصبحوا يبحثون عن العينات الجديدة لأنها مطلوبة في السوق، وتمنح كميات مضاعفة من الإنتاج حيث يصل المحصول إلى40 كيلو غراما من الحشيش الممتاز في كل هكتار، في حين أن كمية الإنتاج في حالة استعمال البذور المغربية لا تتجاوز 17 كيلو غراما في أحسن الأحوال رغم اللجوء إلى استعمال الأسمدة بشكل مفرط. هذا الواقع يكشف أن التدابير التي تتخذها السلطات المغربية من أجل تقليص المساحات المزروعة بالقنب الهندي بضغط من بعض التقارير الدولية التي تصنفه كأول منتج للحشيش في العالم، تواجه أيضا بسعي من طرف شبكات الترويج للحفاظ على نفس نسبة الإنتاج، ولو تم تقليص المساحة المزروعة بالنصف، بحكم أن البذور الوافدة تضمن كمية إنتاج مضاعفة لتلك التي تمنحها البذور المحلية. «خردالة» حشيش مجهول الهوية اسمها الغريب هو الكلمة الأكثر تداولا لدى المزارعين وشبكات التحويل والإنتاج، بعد أن أصبحت تحتل المرتبة الأولى ضمن أصناف الحشيش المطلوبة في السوق الدولية، بالنظر إلى مفعولها القوي الذي جعلها تستحق هذه التسمية، كما أكد أحد المزارعين بمنطقة زومي، والذي تقمص دور محلل لغوي ليقول ل«المساء»: «خردالة.. سميت كذلك لأنها تخردل، أي تصيب بحالة هلوسة في حالة تدخينها عكس الحشيش البلدي الصافي الذي يحافظ مستهلكه على تركيزه، أما خردالة فتصيبه ب«التناوي»، وحالة من الجمود والعجز عن الحركة والكلام بشكل طبيعي»، وأضاف بأن بذور خردالة مجهولة المصدر وتسربت قبل عشر سنوات إلى إقليم الشاون الذي يحتكر حوالي 40 في المائة من حجم إنتاج القنب الهندي، لتنتشر إلى باقي مناطق الإنتاج حيث أصبح عدد من المزارعين يبحثون عن بذوره، التي تمنح كمية إنتاج أكثر. وأشار المصدر نفسه إلى أن بذور خردالة وعكس البذور التي كانت تستعمل في حقول الكيف المغربية منذ القرن الخامس عشر تمنح شتلات قوية تتحول إلى شجرة قصيرة، لكنها متعددة الأغصان التي تحمل كميات كبيرة من «العوينة» التي تنتج البذور، علما أن غبار الحشيش لا يوجد في النبتة بأكملها بل فقط في «العوينة»، ما يسمح للفلاح بالحصول على كميات كبيرة من المنتوج شريطة أن تتم العناية بالنبتة من خلال منحها جرعات مضاعفة من السماد وإمدادها بالماء اللازم للنمو. وقال إن عددا من المدمنين القدامى على مخدر الحشيش يتفادون استهلاك خردالة، بالنظر إلى مضاعفاتها الخطيرة على الصحة النفسية عكس الحشيش الذي كان يسوق قبل عقدين من الزمن، مشيرا إلى أن رفع الإنتاج جاء على حساب الجودة، علما أن ثمن الكيلو غرام من الحشيش المستخلص من خردالة يساوي حوالي 8000 درهم في حين لا يتجاوز ثمن المنتوج المحلي 6000، وفرق السعر وكمية الإنتاج هو ما يجعل المزارعين يستبدلون البذور المغربية بتلك القادمة من الشرق ومن أمريكا اللاتينية. وكانت منطقة لعناصرة نقطة انطلاق بذور «خردالة»، التي تمنح للفلاح قنطارين من الكيف الخام في كل مئة متر مربع من الأرض، أما المنتوج الخالص من غبار الحشيش فيتراوح ما بين ثلاثة إلى أربعة كيلو غرامات لكل قنطار، وتتميز المخدرات المستخلصة من «الخردالة» بدخانها الكثيف. الباكستانية بذور بتشادور أفغاني جزء كبير من إنتاج الحشيش بالمغرب حاليا هو في الواقع إعادة تدوير لبذور جلبت من أفغانستان بعد أن تم توريد كميات مهمة من البذور انطلاقا من جارتها باكستان لتستقر بالمغرب وتحمل اسم «الباكستانية»، وهي العملية التي انطلقت قبل عقدين من الزمن بطريقة محتشمة مستفيدة من تقهقر بورصة الحشيش اللبناني والأفغاني في سوق المخدرات الدولية نتيجة عدم استقرار الوضع الأمني بالمنطقة ، ووفق ما كشف احد المزارعين بمنطقة باب برد التي تحولت إلى وجهة لاستقبال البذور الجديدة من أجل تجريبها قبل تعميمها على باقي حقول الكيف، والذي أكد أن وصول الباكستانية لحقول القنب الهندي بالمغرب جاء بإملاء من شبكات الترويج الدولية التي لها امتدادات لا تعرف بدايتها ونهاياتها، والتي تسعى للحفاظ على طلبات المستهلكين من أجل ضمان استقرار أرقام معاملاتها التي تقدر بحوالي عشرة ملايير دولار سنويا، وفق ما أثبتته دراسات دولية، وقال نفس المصدر إن الباكستانية تحتل الرقم 2 في سلم الحشيش المطلوب، سواء منتج من طرف المصدرين أو كبذور من طرف المزارعين، وأشار إلى أن عينات جديدة من بذور الباكستانية ولجت فعلا إلى منطقة باب برد قبل سنتين من طرف بارون للمخدرات، والذي تمكن من إيصالها للمغرب بطريقة آمنة بعد أن تم خلط بذور الباكستانية مع بذور نبات ايلان التي تشبهها من حيث الحجم والشكل واللون لتمر من الحدود دون مشاكل قبل أن يتم استثمار المحصول الأول من اجل ضمان انتشارها إلى باقي المناطق. والباكستانية معروفة من لونها الغامق عكس الحشيش المغربي فاتح اللون والذي يكون منتجه الخالص أشقر حسب تعبير ذات المصدر الذي أضاف بأن من السهل التعرف على الحشيش المستخلص من الباكستانية من خلال شكل بصمة الإصبع التي تترك عليها بعد استعمال ولاعة لتسخينها. و«الباكستانية» دخلت لأول مرة إلى حقول كتامة وتم توزيعها على عدد من الفلاحين انطلاقا من مراكز التحويل، حيث تمنح كمية إنتاج توازي خردالة غير أن «الباكستانية» معروفة بأن جودتها اقل رغم لونها الجذاب. حشيش عابر للقارات المكسيكية دخلت إلى حقول الريف المغربي انطلاقا من أمريكا اللاتينية السنة الماضية فقط وتوزيعها لازال في نطاق محدود جدا، علما أن بذورها لا تصلح للأرض البور، بل تحتاج إلى كميات كبيرة من مياه السقي من أجل ضمان محصول جيد، وهو الأمر الذي جعل عددا من المزارعين يحجمون عن تجريبها بحكم ضيق نطاق الأراضي التي تستفيد من مياه السقي، واعتماد نسبة كبيرة من محاصيل القنب الهندي على الأراضي البورية. البذور التي هاجرت بشكل غير شرعي لتستقر بالمغرب ساهمت أيضا في تغيير أسماء عدد من المستخلصات التي يتم توجيهها للاستهلاك إما داخل المغرب أو خارجه، فإلى جانب «البارد» أي الحشيش الذي لا يحتاج إلى رفع درجة حرارته من أجل تجميعه في صفائح، ظهر «الكماش» وهو حشيش يكون عبارة عن مسحوق وفي حال اقتراب النار منه يتجمع مثل البلاستيك، إضافة إلى أسماء منتجات أخرى مثل النشبة وغيرها. يقول -ن ع- وهو أحد مزارعي الكيف بمنطقة باب برد بإقليم الشاون إن الإقبال على البذور الأجنبية فرضته الصعوبات التي تواجه المزارعين مع المنتج المحصل من البذور المحلية، والتي تعطي شتلات تبقى تحت رحمة التقلبات المناخية، خاصة رياح الشركي التي تهب على المناطق الشرقية والشمالية بعد موسم الزرع وأياما قبل جني المحصول، الأمر الذي يجعل الحشيش المستخلص من البذور المحلية أسود اللون عوض لونه الأشقر الذي يتحكم في السعر وضمان الجودة، علما أن القنب الهندي المستخلص من البذور المحلية يتم جنيه بعد أن ينضج في الحقل، قبل أن يتم تخزينه في مكان بارد ووضع أثقال عليه في إطار عملية تسمى «الترقاد»، تمهيدا لدقه، واستخراج غباره الذي يحتوي المركب الكيماوي المعروف برباعي «هيدرو كانابينول» الذي يتسرب بسرعة إلى الجهاز العصبي، ويحدث حالة الانتشاء لدى المدمن، أما محصول القنب الهندي المستخرج من بذور خردالة أو الباكستانية فيتم جنيه قبل النضج حيث يجف في مكان رطب وأوراقه لازالت خضراء، ما يجنب المزارعين التقلبات المناخية، وأيضا بعض الحملات التي تقوم بها السلطة والدرك والتي تداهم الحقول لإتلاف المحاصيل. سوق دولية بملايين الدولارات في الوقت الذي يعمد فيه معظم مزارعي الكيف بكل من كتامة والريف للتخلص من أطنان البذور التي تخلفها عملية استخلاص الحشيش، إما بحرقها أو تقديمها كعلف للدجاج، فإن شركات دولية تحصد أرباحا شرعية بملايين الدولارات من خلال توريد هذه البذور للراغبين فيها من شركات لصناعة المواد التجميلية أو المكملات الغذائية، وهي الشركات التي تتركز في بلدان لا علاقة لها بإنتاج القنب الهندي بحكم أن معظمها ينتمي إما للصين أو الهند أو مولدافيا وأوكرانيا، حيث يتم تصدير البذور بطريقة مشروعة لتوظيفها في أغراض صناعية أو طبية، علما أن عددا من مستحضرات التجميل تستند إلى بذور القنب الهندي ومنها زيوت تقوية الشعر، حيث تلجأ شركات التصدير إلى عرض مواصفات البذور مع تحديد السعر بالعملة الصعبة، و يتراوح ثمن الكيلو غرام الواحد من البذور ذات النوعية الجيدة ما بين 50 و60 دولارا للكيلوغرام الواحد، في حين أن آلاف الأطنان من هذه البذور يتم إتلافها بشكل سنوي في المغرب. ورغم اشتغال شركات دولية في مجال تصدير بذور القنب الهندي بشكل قانوني إلى وجهات مختلفة من العالم، فإن بعض الدول اتخذت مؤخرا قرارا بمنع استيراد هذه البذور، خاصة بالخليج العربي بعد أن اتضح أن عددا من الموردين يستغلون هذا الأمر تحت غطاء جلب البذور لاستعمالها كمواد غذائية لبعض الطيور، خاصة طائر الحسان والكناري، بحكم أن بذور القنب الهندي تحفزها على التناسل والتغريد بشكل مسترسل، غير أن هذه البذور يتم توظيفها أحيانا لإنتاج مواد مخدرة، وهو ما طبقته السعودية سيما بعد أن صدرت تقارير تحذر من منح البذور للطيور لأنها تقود للإدمان. دليل إدانة يحرق في الجبال (م م) شاب مجاز وعاطل قضى سنين طويلة بحثا عن عمل بأحد الدواوير بمنطقة الحسيمة قبل أن يجرب زراعة القنب الهندي من أجل ضمان مورد عيش لأسرته، قال إن عددا من المزارعين أصبحوا يجدون صعوبة في الحصول على البذور ليس لأنها قليلة، بل لأن الحملات التي أصبحت تقوم بها السلطة بين الفينة والأخرى، وبطريقة انتقائية جعلت معظم المزارعين يعمدون إلى بيع المحصول بشكله الخام بالبذور التي يحملها، ليضطروا للبحث عنها أو شرائها مع اقتراب فترة الزراعة، كما أن بعض الفلاحين يجدون أنفسهم مجبرين على التخلص من البذور وعدم تخزينها في المنازل خوفا من حملات المداهمة المفاجئة التي يقوم بها الدرك، لأن وجود البذور في المنزل يعتبر دليل إدانة بتهم زراعة القنب الهندي التي حولت الآلاف من السكان المنتمين لما يعرف بالمثلث الذهبي الممتد من الشاون إلى الحسيمة مطاردين بموجب مذكرات بحث. واكد (م م) أن البذور المحلية يمكن الحصول على كميات منها بثمن بخس لكن العينات الجيدة من البذور المستوردة تكون مرتفعة السعر، وقد تصل أحيانا إلى 200 درهم للكيلو غرام الواحد، كما أن زارعة البذور الجديدة يتطلب معرفة مسبقة بطريقة التعامل معها، والعناية بها، وحمايتها من الطفيليات خاصة بعد أن تسببت ديدان سمينة ونهمة في إتلاف محصول مئات الفلاحين، وعجزت كل المبيدات الموجودة في السوق عن قهرها، خاصة وأن هذه الدودة تختفي في «العوينة» المنتجة لغبار الحشيش وتلتهمها بشراهة. وقال (م م) «نحن لا نسعى من زراعة القنب الهندي إلى إنتاج المخدرات، نريد فقط أن نضمن لقمة العيش والسلطات أمامها عدة حلول من أجل تقنين الزراعة، وجعلها موجهة للأنشطة الشرعية كما هو معمول به في عدد من الدول»، قبل أن يصمت لبرهة ليضيف «نريد أن نعيش بأمان، نحن لسنا أغنياء من الكيف ..و المخير فينا يحصل على مبالغ لشراء الزيت والسكر والدقيق لكي لا يموت أبناؤه بالجوع». وأضاف نفس المصدر قائلا «عدد من السياسيين أصبحوا يتحدثون عن ضرورة البحث عن صيغ لتقنين هذه الزراعة التي عمرت لقرون المنطقة، وهو الأمر الذي يجب أن يخرج عن منطق الاستغلال السياسي والانتخابي، ويترجم إلى صيغ عملية ستتيح لمئات الآلاف من الأسر الفقيرة العيش بسلام، وتقطع الطريق على مافيا المخدرات التي تجني الملايير على حساب رجال معدومين، أصبحوا مطاردين ومحرومين من رؤية أطفالهم بسبب زراعة القنب الهندي».