وصفناه ب”الإقصاء المرير” ليس لأن المجموعة التي قدمت لتمثيل المغرب في “كان مصر 2019” تعتبر الأفضل، أو تستحق أن نطلق عليها صفة “المنتخب الوطني” حتى، ولكن بالنظر للآمال المبالغ فيه الذي صنعه البعض بحسن نية، أو كتطبيل موازي لعمل المدبرين على شؤون الكرة بالمغرب، قاده جزء واسع من وسائل الإعلامية المغربية التي باعت الوهم للمغاربة. من هذا المنطلق، لا أدري أين عنصر المفاجأة في إقصاء المنتخب الوطني من دور جد مبكر من كأس أمم إفريقيا لكرة القدم المقامة حاليا بمصر؟ حيث خيم حزن عميق وحسرة وصدمة بمختلف المدن المغربية، لكن إذا استحضرنا مجموعة من المعطيات التاريخية أو الحالية نجد أن الإقصاء هو أمر عادي في مسيرة الكرة المغربية وكان متوقعا، وأن الصدمة تأجلت فقط إلى دور الثمانية، بعد أن لعب الحظ وأشياء أخرى في دور المجموعات، بل يمكن أن نذهب بعيدا ونقول أن التأهل لهذه المسابقة في حد ذاته كان مفاجأة، فمجموعة “رونار” و”لقجع” لا تستحق أن تقدم ككتيبة تمثل بلد كبير وعريق، تتدحرج الكرة في كل أحيائه ودروبه من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه مرورا بوسطه، حيث لا نقاش ولا حديث إلا عن الكرة وما يتفرع عنها. وإذا قمنا باستدعاء تاريخ مشاركة المغرب في الكأس الإفريقية، سنجد أن النخب التي قدمت طوال 40 سنة لم تنجز أشياء تذكر، اللهم بعض الاستثناءات القليلة جدا أبرزها الفوز بالكأس سنة 1976، والوصول إلى النهائي سنة 2004، بقيادة الحارس الوطني بادو الزاكي، في حين نجد مصر على سبيل المثال وهي دولة قريبة ومشابهة للمغرب، حققت 7 ألقاب، كما أن فرقها خاصة الأهلي والزمالك تعتبر الأكثر تتويجا وتسيطر على مختلف الكؤوس القارية. الغريب أن المغرب وطيلة عقود وهو يشارك بعناصر ولاعبين ممن يعتبرون من “الجالية المغربية المقيمة بالخارج”، ومن الاستثناء أن تجد لاعب أو حارس مرمى ينتمي للبطولة الوطنية ضمن التشكيلة وعادة لا يتجاوز مكانه دكة الاحتياط، ويبدو أن هناك إصرار على تهميش وقتل البطولة الوطنية ونجومها، فدوري المحترفين المغاربة يصنف الأفضل عربيا وإفريقيا، كما أن فرقه تصارع الكبار الأفارقة سنويا، وهي من بين الأكثر حضورا في الأدوار النهائية في السنوات الأخيرة، ومن شأن الاعتماد على العناصر المحلية تقوية الدوري الوطني وإعطائه قيمة ستفجر بلا شك طاقات العديد من الشباب الذين لا يجدون من يدفعهم للواجهة، وإذا ما استحضرنا التجربة البرازيلية الرائدة عالميا، نجد أن منتخبها القومي يتشكل من نسبة مهمة من الاعبين الممارسين بالبطولة، رغم انتشار نجوم “الصامبا” وتواجدهم في أحسن الدوريات العالمية. أما على مستوى التدبير، فالطريقة التي تدبر بها شؤون جامعة الكرة تحتاج إلى مراجعة جدرية، أتذكر في الفترة السابقة إبان الجنرال حسني بن سليمان، فتحت لي فرصة حضور جزء معتبر من أطوار جمع عام جامعة الكرة، وشهدت كيف كان البؤس يميز فعاليات الجمع، لا نقاش حقيقي، ولا محاسبة، ولا تسجيل ملاحظات ولا تقديم مقترحات في المستوى، فقط التصفيق والمزيد من التصفيق وبشكل مؤلم، وكأن الأمر يتعلق بثكنة عسكرية، وكلنا يعرف كيف تشكل مكاتب الجامعة المتعاقبة، وهي بعيدة عن الأساليب الديمقراطية، وهي أقرب إلى المحاباة منها إلى الاستحقاق، كل همها صرف الأموال على المنتخب الأول، مع التهميش الذي تعاني منها البطولة والاعب المحلي، والمنتخبات القاعدية خاصة الشبان وأقل من 17 سنة، فلا نكاد نسمع عن هذه المجموعات أي مشاركة إفريقية أو عالمية مشرفة، في الوقت الذي يصنع فيه شباب دول كنيجريا والكامرون تاريخ بلدهم على الملاعب العالمية . وبما أن التدبير هو إلى العشوائية والشخصانية أقرب، فإنه أصبح من العادي أن نرى تدخل جهات إدارية في فرض من يحمل القميص الوطني بقبول طوعي من الطاقم التقني الذي لا يهمه سوى الامتيازات التي يحملها المنصب، فالمدرب الذي في عمومه يكون أجنبيا، يتحرك بطائرة خاصة وبهاتف من النوع الرفيع، وينزل في أفخم الفنادق، وتصرف له شهريا 80 مليون سنتيم صافية من قوت أبناء هذا البلد، ويتحرك داخل التراب الوطني بواسطة سيارة من النوع إياه، وإلا ما معنى إبعاد أسماء ممارسة ومعتبرة، وتهميش نجوم الدوري الوطني؟ وما معنى الاعتماد على عناصر انتهت صلاحياتها منذ مدة؟ وما معنى إقحام لاعبين لم يلعبوا مع فرقهم لأشهر بسبب الإصابة ؟ وما معنى عدم إشراك هداف الدوري الوطني ؟ ولم الإصرار على إشراك لاعبين يلعبون في أندية أوربية تنتمي للدرجة الثانية أو الثالثة؟ وما معنى الاعتماد على اختيارات تكتيكية غير مجدية بسبب عدم قدرة لاعبين فاشلين على تنزيلها لأن قدراتهم جد متواضعة؟ ولماذا فشل مدرب كان كبيرا مع منتخبات إفريقية أخرى فاز معها بألقاب في كيفية التعامل مع نجم شاب كبير كزياش، الذي دخل في دوامة لا ندري كيف سيخرج منها ؟ بالإضافة إلى كل هذا لا بد من الإشارة إلى أن الإعلام الوطني لم يقم بدوره وواجبه، وصنع آمالا كان منذ البداية يعلم أنها واهية، فالتقارير والمواد الإعلامية التي قدمت عشية الكان وأثناءه معظمها كانت تنفخ في كتيبة فارغة، رغم أن الأمور كانت واضحة، “القجع” ومن معه يريدون نتائج سريعة من خلال الاعتماد على أبناء الجالية المقيمة في الخارج حتى لو كانت لا تستحق حمل القميص الوطني الذي يحتاج إلى من يبلله بوطنية زائدة وليس فقط تقنية، في حين أن الحل يكمن قبل كل شيء في دمقرطة جهاز الكرة، ثم في البناء القاعدي، وفي الاعتماد على نجوم البطولة الوطنية، ثم الاعتماد على المدرب الوطني الذي يمرر وطنيته للاعبين، بالإضافة إلى إعطاء العمل القاعدي ما يستحق من خلال الاهتمام بالفئات الصغرى وبالمنتخبات الأقل من 17 و 20 سنة، وبما أن السياسة الكروية كانت بعيدة عن هذا فإنها أضاعت وضيعت على المغرب 40 سنة، لم ينل منها المغاربة سوى المزيد من “الصدمة والفقصة” عند كل محطة كروية قارية، وكل فقصة وأنتم بألف خير.