– المختار الخمليشي: هدوء تام يلف جنبات مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية في أصيلة، منذ مساء الأحد الماضي، بعدما خلا هذا الفضاء نهائيا من ضيوف الموسم الثقافي الدولي.. وحدها سيمفونية زقزقة العصافير المنسابة إلى هذا الفضاء، تكسر هذا الصمت في تناغم بديع مع مشهد لوحات ورسومات تشكيلية تزين جدران المركز. وبين الفينة والأخرى ينبعث من المطبخ صوت أواني منزلية، فيما يدل على أن "محمد الغول" منهمك في إعادة هذه الأدوات إلى أماكنها، بعد أسبوعين من استعمالها في خدمة رواد الموسم. وبالرغم من المجهود الذي ظل "محمد الغول"، يبذله لساعات طويلة يوميا، على مدى أيام الموسم الثقافي الدولي، في خدمة ضيوف مدينة أصيلة، من شخصيات عربية وعالمية، في شتى المجالات، فإن ذلك لم يمنعه من العودة مبكرا في صباح اليوم الموالي لاختتام فعاليات هذه التظاهرة، من أجل الاعتناء بمطبخه الذي يقوم فيه بإعداد الشاي، لرواد المركز. ويعتقد الكثيرون، أن كلمة "الغول"، التي يصر الجميع على مناداة "محمد" بها، هي محض مزحة التصقت بهذا الرجل الذي يحترف إعداد الشاي إلى درجة أن "أتاي الغول" بات علامة معروفة عند زوار أصيلة من المغاربة والأجانب، بينما يغفل الكثيرون أن الكنية ليست سوى الشق الثاني من الاسم الكامل للمعني بالأمر. غير أن "محمد الغول"، لا يبدي أي انزعاج من استعمال هذه الكنية في مناداته من طرف الجميع، سواء كانوا مازحين أو متهكمين، بل يبدي رحابة صدر كبيرة أمام مبالغة البعض في المزاح معه "فعلا انا هو الغول .. وإذا لم تسمعو عن غول يحترف إعداد الشاي، فتعالوا إلى مركز الحسن الثاني هنا في أصيلة"، هكذا يعبر "محمد" عن سعة صدره بكل مرح وبشاشة نحو الجميع. وبكل اعتزاز وفخر، يتحدث "محمد الغول"، عن مهنته التي لا تتجاوز إعداد الشاي، فهو يعتبر هذا العمل "صنعة" خاصة به لا يتقنها غيره، وفق التعبير الذي يستعمله، لسبب بسيط هو أن كؤوس الشاي الذي يعده ليست كغيرها المعروفة في مقاهي أصيلة وغيرها من المدن المغربية، بحسب المراد من حديثه مع صحيفة طنجة 24 الإلكترونية. وبكثير من الحنين، يحكي "الغول" بدايته مع "صنعته" التي اكتسبها منذ سن مبكرة، فيقول "عندما كنت صغيرا كنت اعمل مساعدا لمواطن مغربي يدعى علال، وكان يلقب بخوانيتو، خلال عمله بدار إسبانيا هنا في أصيلة"، ثم يستطرد مبرزا ذيوع صيت هذه الصنعة كما يسميها، "واليوم ها أنتم ترون، زوار أصيلة لا يجيئون فقط لحضور ندوات الموسم، ولكن أيضا لتذوق مشروب (أتاي الغول)". ويؤكد "محمد الغول"، أن مذاق مشروب الشاي الذي يعده، قد استهوى شخصيات عربية وعالمية عديدة، كان آخرهم وزير الخارجية المصري الأسبق، عمرو موسى، الذي أطر إحدى جلسات آخر ندوات الدورة الأخيرة من موسم أصيلة. وقبل عمرو موسى، شرب هذا الشاي كل من فيليبو غوانزاليس، وكوفي عنان، وميغيل أنخيل موراتينوس، ولويث رودريغيث ثابثيرو، وارتشفها أيضا كل من الطيب صالح، وبلند الحيدري، وأحمد ماهر، وغيرهم كثير من السياسيين والديبلوماسيين والفنانين والمفكرين المغاربة والأجانب. تتعاقب مواسم منتدى أصيلة الثقافي، وفي كل سنة يكون "محمد الغول" على موعد مع شخصيات عالمية جديدة يتعرف عليها عن قرب، ويحفها بكرم ضيافته. وبين موسم وموسم يظل الجو في غاية الملل، يقول "محمد الغول"، لان مركز الحسن الثاني يكاد يخلو من اي رواد يمكن أن يطلبوا كؤوس الشاي. وحتى بعض اللقاءات والانشطة التي يستضيفها المركز على فترات متقطعة ومتباعدة، لا يتغير معها أي شيء، لأن الناس حينها ياتون لمتابعة النشاط المنظم ثم ينصرفون تاركين "محمد الغول" وحيدا أمام كؤوس الشاي الفارغة وموقد النار الذي لا يشتغل إلا نادرا.