قالو ا : الأول مر كالحياة ,الثاني حلو كالحب' والثالث خفيف كالموت ,هي ذي كؤوس الشاي الثلاث كما تشرب عادة بالمغرب, هذا المشروب الذي تناسلت حوله حكايات غرائب وطرائف, إذ لا يمكننا تخيل ان الشاي -هذا المشروب الأكثر شيوعا بالمغرب و الذي يكاد يضاهي شرب الماء ,قد كان نادرا في زمن غير بعيد عن الآن,وندرته أدت إلى احتكاره من قبل الرجل بداية حيث لم تكن للنساء حظوة احتساء هذا الشراب ,لان الذكر هو الجدير بهذا الامتياز, وتحكي الحاجة رحمة عن تلك الفترة العصيبة من تاريخ النساء في المغرب الذي لم تتطرق له الحركة النسوية المغربية , حينما كان ينتشي ذكور البيت برشف الشاي في حين تكتفي الحريم باعتصار رحيق محتوى البراد لتسكب في جوفها وهم قطرات الشاي ,فكانت أبعد ما تنشده المرأة آنذاك هو ان تحصل على حق شرب هذا المحلول السحري النادر و الباهض الثمن , والذي بتجرعه ستتحول إلى كائن اجتماعي يتحرك ضمن مساحة علنية عوض الظل الذي عاشت فيه مثلها مثل المخبأ الذي كان يضع فيه رب الاسرة الشاي والسكر. فقد ظل سرا أرق المرأة كشيفرة عصية عن التشفير , لكن لم يكن الامر كما اعتقدته سهلا ,كما كشفت لنا رحمة واكدته لنا الحاجة فاطنة التي التقيناها صدفة تتبضع من بائع أعشاب الشاي والتي أدلت بشهادة مطابقة لما تقوله رحمة وهما بنفس العمر . فعلاقة المرأة بالشاي لم تعرف نقلة بلمح البرق, بل خضع لسياسة التدرج , والتحول كان عبر جرعات شأن الطريقة التي نحتسي بها الشاي , فبعد ان حرمت منه بداية , ليس من شربه فقط بل حتى من معرفة المخبأ , منح لها الرجل مفتاح سلطته واحتفظ بسلسلته في جيبه ,كان يضع علامة “عبارة عن خط “على العلبة ,و أيضا على قالب السكر كلما قام بتحضير الشاي,حتى لا تستعملهما في غيابه ,واحتفظ بسلطة التحضير وتوزيعه , فنخال الشاي كثروة يحتكرها الرجل ومن خلالها يسود,فالعلامة ترمز لسيادة الرجل, لا يمكن للمرأة أن تتخطاها أو تتجاوزها, وإلا تعرضت للعقاب نخب الشاي “نخب الشاي” و”نخب الشاي ” وجهان لعملة الشاي الرمزية في الثقافة المغربية, إذ لم يكن في متناول كل فئات المجتمع, حينما عرف المغرب في بداية القرن الماضي شدة اقتصادية ,بل كان الشاي شرابا نخبويا,وكان يقدم لأسياد القوم او لضيف عزيز جدا ,كما كان مصدرا للسلطة , وقد يجلب لصاحبه الطاعة والولاء. لكن ظل الشاي ذاك”النخب” الذي استطاع ان يوحد فيما بعد بين طبقات المجتمع عندما عرف المغرب نوعا من الرخاء الاجتماعي و توفر المنتوج بالأسواق , فتم هدم الهوة بين الرجل والمرأة بالمغرب وأصبح التعاطي مع الشاي بشكل مختلف خاصة في الثقافة الأمازيغية ،يقول الباحث الأمازيغي” ناصر أزداي : “الشاي كرم المرأة في الثقافة الأمازيغية , فكانت تمغارت أي السيدة المسنة المتوشحة بالحكمة هي مالكة مفتاح لخزين” حيث يوضع السكر والشاي وكانت مكلفة بهذا الدور السيادي , كما كان معبرا نحو المرأة عندما يرغب رجل في التقرب منها , يطلب منها أن يشربا الشاي سويا. أو دعوة للحب من قبل الزوج لزوجته حينما يطلب منها ان تجهز لهما جلسة شاي ,حيث تتم بينهما المناجاة والمسامرة وحتى في البيوت المغلقة , حل الشاي مكان الخمر للتفاوض على السعر, و تعد طقوس الشاي وأبعادها عند “الأمازيغ “متنوعة ,فهو شراب يمارس في طقس جماعي ويحضر أمام الملا ,فمن العيب أن يتم تحضيره في المطبخ , بل توضع الصينية والكؤوس والوابور, وسط جلسة مخصصة لذلك ,وتفتح علبة الشاي امام الشاربين ولا تخل هذه الاشارة من دلالات ,فالقائم بالشاي وغالبا ما يكون رب الدار يتعمد ان يظهر علامة الشاي ليفتخر بانه يقتني النوع الجيد ,وهذا طبعا يحدد الموقع الاجتماعي لصاحب الدعوة ,ويصاحب جودة الشاي صينية رفيعة وكؤوس ارفع خاصة بالضيوف “, كما ان الشاي كان دائما حاضرا في جهاز العروس إلى جانب الحناء والتمر والسكر ,كما كان محور نقاشات بين القبائل ,و وحضوره ضروري لمجلس صلح للخصومات كما كان يكون عدم شربه كإشارة على القطيعة حيث يقسم احدهم بالأمازيغية :” لن اشرب في بيته ولو كاس شاي “ شعرية الشاي نظرا للانتشاء الذي يخامر شارب الشاي اعتقد انه نوع من الخمور ويسرد الباحث في التراث الصحراوي المغربي ” ابراهيم الحيسن” أن إحدى الروايات تفيد بأن الشاي كان في بداية تناوله بالصحراء يعدّ بالنسبة للكثيرين من المشروبات المحرّمة، حيث كانوا يعتقدون- خطأ أو صوابا- مادة مخدرة ولا يختلف في ذلك عن الخمر و النبيذ.. وطرح الفقهاء و الشعراء قضيته وأكثروا فيها من الفتاوى والرسائل والأشعار و المقامات فحل الشاي في أدبهم محل الخمر، فاستحضروا في أدبياتهم عنه كل الخمريات من المجلس إلى السمر والكأس والإبريق. وتحول قول أبي نواس: “ألا فاسقني خمرا..”، أو قول يزيد: “ألا فاسقني كاسات خمر..” إلى قول أبي مدين الديماني: ألا فاسقني كاسات شاي ولاتذر بساحاتها من لا يعين على السمر ويقول الشاعر حمدون بن الحاج: شربنا من الأتاي كل معتق شرابا حلالا لا نبيذا ولا خمرا ومما يثبت على أن الشاي كان محرما قديما بالصحراء، وجود مخطوط فقهي موريتاني يقال بأنه للشيخ أحمد حامد بن محمد ابن المختار الله، وهو فقيه شنقيطي من آل اعمر بن بيج ينتمي إلى مدرسة الركاكنة، وفيه يعتبر الشاي شكلا من أشكال اللهو وضياع الوقت والمال و يتسبب في انشغال الناس عن مواعيد الصلاة، إضافة إلى أن شربه يؤدي إلى الاختلاط بالنساء دعوة لشرب الشاي يسترسل ابراهيم الحيسن بالحديث حول طقوس شرب الشاي الصحراوي ويقول يستهلك الصحراويون ثلاثة أكواب (براريد) متتالية من الشاي، وعادة ما يُحَضَّر كأس رابع يخصّص للأطفال (ليشاشرة) تكون فيه نسبة الثايين ضعيفة وغير مضرّة بصغار السن، مثلما قد يُحَضَّر هذا الكأس لفائدة الضيوف حالة رغبة الجميع في إطالة حصة المجلس. “لكن تحضير كأس خامس، أو آخر سادس معناه أن المضيف يدعو الحاضرين بوضوح لمغادرة المكان في أقرب وقت ممكن..غير أنه من النادر جدا أن يحصل هذا التصرف الذي يعتبر من قبيل الإهانة، لأن دلالته لا تغيب على أحد”. ونظرا لأهميته الاستثنائية، فإن الحسّانيين يشربون الشاي ثلاث مرات ( على أقل تقدير ) خلال اليوم الواحد..وأحسن المواعيد والفترات المحبّبة لتناوله ما بين العاشرة والحادية عشر صباحا ( اظحى) والرابعة مساء، وهو المسمى بأتاي العصر، أو “الأتاي الذهبي”.. ويعد البابور من أعرق وأقدم مواعين أتاي، وهو إناء مركب متعدد الوظائف، إذ يجمع بين لمجمر في الأسفل (لاحتوائه على الجمر) والبقرج. يجلب البابور من إنكلترا ولا يتوفر عليه سوى الميسورين وعلية القوم. يقول الشاعر الحسّاني معبرا عن إعجابه و حبه للبابور: ما نبغي كُونْ اطِّيب والدّير والبابور