– و م ع: بحث أكاديميون وخبراء ورجال سياسة من عدد من بلدان العالم، على مدى ثلاثة أيام (من 24 إلى 26 يوليوز الجاري) بمدينة أصيلة، مختلف التوازنات التي يمكن أن تسهم في إرساء نظام عالمي جديد أو على الأقل تبقي حربا عالمية باردة جديدة، قد يكون العالم يعيش في خضمها، في مستواها الناعم. وتناول المتدخلون في ندوة “قدما إلى الماضي .. نحو حرب عالمية باردة جديدة”، التي نظمت في إطار جامعة المعتمد بن عباد الصيفية (الدورة 30)، “التقاطب الثلاثي الجديد الأبعاد” الذي تمثله الولاياتالمتحدةوروسيا والصين، و”ترابط أضلاع هذا المثلث بعلاقة تتداخل فيها المصالح المشتركة بمساحات التنافس”. وأوضحوا أن الاستثمارات الصينية في الولاياتالمتحدة تجعل أي كساد أو انهيار اقتصادي يمس هذه الأخيرة “كابوسا يلاحق المارد الأسيوي”، كما ترى واشنطن في قوة الاقتصاد الصيني والسندات الصينية دعما لاقتصادها وعملتها. وأشار هؤلاء الخبراء السياسيون، من جهة أخرى، إلى أن روسيا والصين، اللذين لا تجمعهما علاقات بنفس القوة الاقتصادية، في حاجة لبعضهما البعض “للوقوف في وجه العملاق الأمريكي”. وفي هذا الصدد، قال رئيس الجلسة الأولى، ميغيل أنخيل موراتينوس ، الرئيس الشرفي لمركز العلاقات الدولية والتنمية المستدامة، “إننا نعيش في عالم معقد ويحكمه عدم اليقين والشعور بالعجز إزاء خلق مفاهيم جديدة وطرح حلول مبتكرة على مستوى الديبلوماسية مثلا، مشيرا إلى خبري توقف الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة وكوبا وبين الغرب وإيران. وحدد أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، تاج الدين الحسيني، مميزات مرحلة ما بعد الحرب الباردة الأولى في تعددية أقطاب الصراع، وتعددية الأطراف الفاعلة، وميوعة التحالفات بمعنى تغيير الموقع التحالفي لخدمة المصالح الحيوية، وتفتت الدول وتعدد السيادة الوطنية، وتأجج الصراع الديني عوض الصراع الإيديولوجي. ورأى الأستاذ الحسيني، نائب رئيس مركز دراسات الأندلس، أن الولاياتالمتحدة فشلت في القيام بدور الدركي والإطفائي على المستوى العالمي، داعيا إلى ربح رهان القومية العالمية التي ينبغي أن تتفوق على السيادة الوطنية، والتضحية بالطموحات الذاتية، وبناء مجتمع الإنصاف والعدالة. ودعا حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الثقافة والفنون والتراث القطري من جانبه، إلى إعادة الاعتبار للثقافة في العلاقات الدولية باعتبارها الطريق الأمثل، والتعرف على الجوانب الإيجابية في الثقافات والحضارات، والحوار الدائم بينها، وتمثل التعددية الثقافية القابلة للإثراء، والاحترام المتبادل ومراعاة حقوق الإنسان. وذكر الكواري، وهو أيضا رئيس مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، باحتضان بلاده سنة 2012 لأشغال المؤتمر، وصدور وثيقتين مهمتين عنه هما إعلان الدوحة ومنار الدوحة اللتين أكدتا على ارتباط التنمية والاقتصاد بالثقافة. وعرفت نائبة منسق أمريكا اللاتينية في المنتدى العربي اللاتينو أمريكي بساو باولو، سيسيليا بايزا، الحرب الباردة بكونها “منافسة وعداوة اقتصادية وعسكرية وسياسية على الأقل بين قوتين عندما يكون هناك توازن انطلاقا من الظروف الواقعية”. ونقلت سيسيليا بايزا، أستاذة العلوم السياسية بباريس، وجهة نظر ترى أن الحرب الباردة الأولى (بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا) أمنت السلام أو على الأقل أسهمت في “تعليق الحرب” حسب تعبير المفكر الفرنسي رايمون آرون. وأشارت بايزا إلى أنه بعد الحرب على العراق ظهرت الحاجة إلى التوازن، وإلى الحروب بالوكالة التي يعرفها العالم والتي عرفت وتعرف سقوط ملايين الضحايا بين قتيل وجريح ولاجئ ونازح (سورية، اليمن، أوكرانيا…)، والتي تكون أطول من غيرها لأنها لا تكلف القائمين بها إلا ماديا. وشددت الشيخة مي بن محمد بن إبراهيم آل خليفة، وزيرة الثقافة البحرانية، على السياحة الثقافية، وعلى الثقافة باعتبارها فعل مقاومة لبشاعة هذا العالم، ونقلت عن دوستوفسكي قوله “إن الجمال ينقذ العالم”، مشيرة بالمناسبة إلى احتضان مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية لمعرض استعادي لثلاثة فنانين تشكيليين بحرانيين من جيل الرواد.