التقيت بأحد الأصدقاء في السوق البراني صدفة, قرب سينما الريف.هذه الأخيرة تعتبر من بين أقدم قاعات السينما المعروفة في المدينة وكانت متخصصة فقط في عرض الأفلام الهندية.. وجدته مكفهر الوجه يبدو قلقا متوترا.كان يرتدي سروالا أزرقا مكشوفا بفعل كثرة التصبين وعوامل الزمن, وقميصا أخضرا ومعطفا جلديا اسودا ينزل إلى حدود الركبة تقريبا.. ويرتدي قبعة أمريكية مثل تلك التي تظهر في أفلام الكوبوي وينتعل حذاء بني اللون...لما راني ارتبك كأنه لم يكن يتوقع رؤيتي في هذا المكان..دعوته لشرب فنجان القهوة بصحبتي.فوافق بعد تردد .. دخلنا إلى قهوة البرلمان.اسم المقهى ظريف لا أعرف من منحه هذه التسمية لكن مما يقال أن سبب هذه التسمية أنه في السابق كان محل سجالات سياسة وثقافية بين شبه نخبة من المهتمين والمثقفين بالشأن العام حيث كانوا يخوضون في كل شيء من المنزل حتى القصر مرورا بالبرلمان ولا يتركون كبيرة ولا صغيرة إلا أدخلوا أرنبة أنوفهم فيها... أخذ كل واحد منا كرسيا وسط المقهى.الكراسي تبدو قديمة مهترئة..تدعوا الخالق أن يخلصها من بني ادم. مجموعة من صور بعض لاعبي كرة القدم وصورة فنانة تظهر نصف عارية وبعض اللوحات الفنية القديمة موزعة على جدران المقهى..ثرية يتيمة تتدلى من السقف وتتمايل يمنة ويسرة يخيل إلي أنها ستسقط على رؤوسنا ونكون من شهداء مقهى الشعب لا قدر الله.جاء النادل, وكان طويل القامة رأسه كبير مدور.أصلع لا تعرف الابتسامة طريقها إلى ثغره..وانحناءة خفيفة من رأسه معناها ماهي طلبياتكم؟ أخبرته أن يجلب لي قهوة سوداء والصديق طلب نفس الطلب بدوره..بعد لحظات كان النادل آتيا قبالتنا يحمل صينية بها فنجانين من القهوة وبعض قطع من السكر وملعقتين صغيرتين ..طلبت من النادل جريدة كي أتصفح فيها واترك لصديقي رشيد أن يدخن الكيف ويعدل المزاج قبل الانخراط في تبادل الكلام بيننا والسؤال عن الأحوال... في هذه الأثناء كان المقهى غاص بالزبائن موزعين على عدة مجموعات ,وكل مجموعة من الأصدقاء متحلقة على طاولة ما... روائح الكيف المختلط بالسجائر والحشيش تعبق المكان وتجعل فضاء المقهى كأنه سحابة مثقلة بالغيوم تنتظر الفرج..فمنهم من يلعب الكارطا ومنهم من يلعب البارتشي ومجموعة من الشيوخ يجلسون في زاوية المقهى يسمعون باهتمام ما يحكيه أحدهم عن ذكريات حرب الفيتنام وكيف أنهم كانوا يقاتلون كائنات لا مرئية تظهر وتختفي بخفة بالغة وتقفز من شجرة إلى شجرة مثل القرود.. ومجموعة أخرى قريبة من التلفاز تكاد تلتصق به لولا أنه وضع في مكان عالي قليلا حيث يشاهدون الأخبار على قناة الجزيرة..ويناقشون ويحللون الحروب والكوارث ويبحثون عن حلول ناجعة للأزمة والتخبط الذي تغرق فيه المنطقة العربية والإسلامية.. يتبع..