قد يبدو للبعض أننا نعطي صورة قاتمة عن مدينة طنجة، ويتساءل الآخر عن غايتنا، لكن الصورة كما نعتقد ونراها واقعية. فطنجة اليوم.. هي مدينة الحفر والأتربة، والأوراش التي لا يعرف متى الفراغ منها؟!... هي أيضا مدينة الغش في التزفيت والتبليط وانجاز المشاريع، التي تتلاشى مع أولى قطرات المطر، ولا بأس أن تهدر الميزانيات...بمعاودة الغش وسياسة (كور وعطي للعور)، وخاصة مع قرب الزيارات الملكية لهذه المدينة !
طنجة اليوم.. مشوهة عمرانيا ! الإسمنت زحف على الأخضر واليابس دون إيلاء أي اعتبار لا إلى جمالية المدينة ولا إلى المساحات الخضراء ولا إلى المرافق الاجتماعية...فهم منعشونا العقاريين، أو منهشونا بتعبير أصح، لا يعنيهم من كل ذلك إلا ما راكموه من أموال في أرصدتهم البنكية! ولتذهب المدينة التي أعطتهم كل شيء إلى الجحيم ؟3 طنجة اليوم.. في قمة عطائها في مجال البناء الرشوائي وفوضى التعمير ويكفي المرء استدلالا على ذلك ما سجلته المفتشية العامة لوزارة الداخلية من خروقات وتجاوزات.. ؟ طنجة اليوم.. يستبيح المسؤولون في الولاية والجماعة والأوقاف والأملاك المخزنية خيراتها؟ (ويكردعون) أراضيها ومرافقها، على أطباق من ذهب لمن تعود - كحشرة طفيلية .
في الوقت الذي يدعو فيه ملك البلاد إلى النهوض بالتنمية المستدامة، وفي صلبها المسألة البيئية، باعتبارها قوام النمو الأخضر، نرى كيف أن المسؤولين بولاية جهة طنجة تطوان وعلى رأسهم الوالي محمد حصاد «يسيرون عكس التوجهات الملكية» فهاهم مرة أخرى يقررون فتح جزء كبير من المحمية الطبيعية «السلوقية» لتحويلها إلى مشاريع سياحية وسكنية والتي ساهمت الوكالة الحضرية في الكشف عن المؤامرة التي تتعرض لها، بعدما كانوا سباقون إلى محو غابات أخرى، وعلى رأسها غابة «الرهراه» و«مسنانة» و«بوبانة» و«أشقار» وغيرهما، واللتين تحوّلتا في ظرف قياسي إلى أحياء عشوائية ، فقد تحدثت العديد من التقارير عن الخروقات في مجال التعمير بمدينة طنجة، وربطت العديد من مشاكل القطاع باسم والي طنجة محمد حصاد، وأنجزت لجان التفتيش التي حلت بالمدينة، ملفات ثقيلة حول خروقات التعمير بمقاطعة بني مكادة ومنطقة مسنانة بمقاطعة طنجة المدينة، وهما منطقتان حطمتا الأرقام القياسية في مجال البناء العشوائي خلال السنوات الأخيرة ومازالت هناك عدة طلبات من أجل البناء في منطقة مسنانة مند أربع سنوات عالقة لحد الساعة لم يتخد بشأنها أي إجراء قانوني مما يساعد في خلق بناءات عشوائية تحت ذريعة المهندس تابع لمقاطعة طنجة المدينة ومن معه ، كما أنجزت تقارير أخرى علاقة بخروقات تمثلت في الاستيلاء على الأراضي الغابوية والأراضي السلالية لصالح مافيات العقار..
أما ما يجري الآن على صعيد معلمة فيلا هاريس، فيعد مجزرة بيئية وثقافية مدبرة يتم إعدادها بهدوء، من أجل عدم لفت الأنظار، ومفاجأة الرأي العام في النهاية بالضربة القاضية التي لا تبقي ولا تذر، وليستسلم الكل أمام الأمر الواقع، تحت ذريعة صعوبة صيانة هذا النوع من الآثار المكلفة.
والغريب في الأمر أن والي طنجة يصرح أن هناك إجماعا على أن المناطق الخضراء والغابات لا يمكن أن تُفتَح في وجه المشاريع العقارية، كيفما كان نوعها، كما يقول أن أي خرق للقانون في هذا المجال سوف يواجَه بالقانون الجاري به العمل، ويؤكد أنه ستتم إعادة النظر في عدد من رخص البناء في بعض المناطق، حتى يتم استغلالها كمناطق خضراء داخل المدينة، كما سيتم سحب بعض الرخص المعلقة التي لم يؤذن لأصحابها بالبناء، من أجل تخصيص بقعها الأرضية كفضاءات خضراء تحمل إسم أغنية «حتى فات الفوت عاد سولني كيف بقيت». الجماعة الحضرية لطنجة أما جماعتنا الحضرية والتي عقد رئيسها مؤخرا ندوة صحفية أو بتعبير أصح مرافعة للدفاع عن حزب الجرار وعن رموزه والتي خصص حيز مهم منها أيضا، لموضوع استقالة سمير عبد المولى من حزب الأصالة والمعاصرة وكذا موضوع أمانديس القوية، فقد أنكر سيادته تفشتي فوضى التعمير بها والرخص غير القانونية والتي وبشكل منفرد ومن دون التوفر على الرأي الموافق للوكالة الحضرية، أصبح يلجأ لتوقيعها مبررا ذلك بكون الوالي حصاد وافق على ذلك، وهو اتهام خطير من العمدة للوالي حصاد بمخالفة القانون، خصوصا في ظل ما يسود المدينة من «شائعات» خطيرة مرتبطة بطريقة عمله والمحيطين به.
أليس صحيحا سيدي العمدة أنه منذ انتخابك عمدة على مدينة طنجة تم تجميد لجنة التعمير بشكل مقصود بحيث لم يسمح لها بمناقشة ملفات التعمير بالمجلس، أليس صحيحا أنه وصل الأمر إلى رفض إدراج نقطة التعمير بجدول أعمال دورة فبراير ومارس وهذا راجع لمنع التوقيعات والتكاليف لنوابك العشرة "في عين الشيطان" ماعيناهم.
أليس صحيحا سيدي العمدة أن هشاشة تحالفكم مع بوهريز (الأحرار) والزموري (الدستوري) بطنجة ينذر بمزيد من الإشكالات التي ستزيد الوضع بالمدينة احتقانا وترديا، خاصة بعد صدور تقرير لجنة المالية بمجلس المدينة الذي وقف على خروقات مالية وتدبيرية عرفتها الجماعة خلال فترة تدبيركم للشأن المحلي بالمدينة.
أليس صحيحا سيدي العمدة بأنه يسود اقتناع كبير في طنجة أنكم وصلتم إلى منصب العمودية بطريقة مشبوهة وغير شرعية، أليس صحيحا سيدي العمدة أنه قد تم تعيينكم قسرا من طرف شقيقكم إلياس الشهير، وسط جو من «الترهيب»، الذي مورس على أعضاء مجلس المدينة، والذين اعترفوا بذلك أمام الملأ، خلال دورة الحساب الإداري الأخيرة.
من بين هاته الأسباب قدم سمير عبد المولى عمدة طنجة السابق استقالته بحيث صرح أنه لن يرضى ولن يقبل أن يكون عمدة على الورق في حين يبقى الفاعل الحقيقي خارج الجماعة الحضرية لطنجة .
لنكن واقعيين وكفانا كذبا على المواطن وحان الوقت لنضعه أمام الحقيقة ليس هناك عمدة ولا هم يحزنون بل مجرد شخص يتلقى تعليمات من أجل تنفيذها.
لسنا متشائمين ولا نريد أن نكون كذلك، لكن الأمر غير طبيعي وبكل المقاييس وعلى كافة المستويات بعروس الشمال والتي تعاني إهمالا لا مثيل له سببه المسؤولون الذين تعاقبوا على تسيير وتدبير شؤونها. إنه اقتناع قد يكون عاما لدى ساكنة طنجة.
فأي ذنب اقترفته طنجة لكي يطالها الإهمال وتعبث الأيادي بتاريخها وبمصير ساكنتها، وتنهب خيراتها وتتلاعب بمصالحها دون أن تشعر بقليل من الحياء؟
وأين خيرة رجالاتها الذين اختاروا الابتعاد ، مكتفين باسترجاع الماضي المجيد للمدينة والتلذذ به لعله ينسيهم معاناتها اليومية؟ وأين أطرها وفعالياتها التي قدمت استقالتها وانصرفت في هدوء تام؟ أهو احتجاج على واقع لم تقدر على مواجهته؟ أم هو تواطؤ بدون قصد من خلال مؤامرة الصمت التي تسلكها ؟ أين مثقفوها ؟ وأين مؤرخوها ؟ أين أبطالها ؟
فباختيارها هذا تركت المتسلقين والانتهازيين والوصوليين ينهشون طنجة على مرأى ومسمع من الجميع، ودون حسيب أو رقيب.
لقد تعاقبت عدة مجالس منتخبة منذ التقسيم الإداري لسنة 1992 ، وشكلت خلاله لوبيات انتخابية لا هم لها سوى تشكيل وسطاء وعصابات سمتها الأساسية التواطؤ والارتشاء والإغراء وأضحت القاعدة استثناء والاستثناء قاعدة، وباختصار شديد إعمال قانونية اللا قانون.
فماذا أصاب طنجة ؟ الكل يتحسر على ما آلت إليه من إهمال وتقصير وفساد وو...واللافت للانتباه ما يتداوله المتتبعون كيف أصبح بعض المسؤولين عن الإدارة الترابية وبعض المنتخبون من أكبر الأغنياء بفضل الرخص الاستثنائية للوبي العقاري، ورخص بيع الخمر والإجهاز على المقومات الحضارية والمعالم التاريخية وكيف أن بعض ممن اؤتمنوا على تدبير الشأن العام المحلي أصبحوا بقدرة قادر من علية القوم، في وقت لم تكن تسمح لهم إمكانياتهم المادية حتى بالتنقل داخل المدار الحضري فهذا المآل المحزن ما كان لعروس الشمال.. أن تؤول إليه لو تولى أمرها مسؤولون يتوفرون على قدر مهما كان ضئيلا من المروءة والنزاهة الفكرية! لكن قدر عروس الشمال..أن تنشط فيها مافيا الفساد، ومافيا تزوير إرادة الناخبين وذبح الديمقراطية، لصالح كراكيز انتخابية يستعملها ذوو سلطة المال والنفوذ في الاتجاه الذي أوصل المدينة اليوم إلى ما وصلت إليه من كونها تجمع سكاني بدون طعم.
فإلى متى تبقى طنجة عرضة للإهمال والتقصير؟ وما هي الوصفة السحرية التي يمكن أن تنقذك من براثن الفساد يا طنجة؟ وكيف يمكن الضرب على أيدي المتلاعبين بمصير الساكنة ؟ كيف نحد من شراء ذمم الناخبين صغارا كانوا أو كبارا طالما أن الأمر سيان؟ كيف وكيف ..
فكل شيء فيك جميل يا طنجة لكنه معطل، فكيف السبيل إلى تشغيله.. الله أعلم