أجرى الحوار يوسف شبعة: شكل تأسيس "الراصد الوطني للقراءة – رونق المغرب"، بحسب مهتمين عديدين بالشأن الثقافي في طنجة، إضافة نوعية للعمل الثقافي في مدينة البوغاز بصفة اخصة والمغرب بصفة عامة. حيث تكمن أهمية تأسيس هيئة وطنية على غرار هذه الجمعية الفتية في مدينة طنجة، أن من شأن هذه المبادرة، تجاوز مركزة الأنشطة الثقافية في محور الرباط والدار والبيضاء، وتعميمها على مختلف مناطق المغرب. وتبرز الأديبة فاطمة الزهراء المرابط، في هذا الحوار الذي تنشره صحيفة "طنجة 24" الإلكترونية، مسار هذه الجمعية، ومجمل الصعوبات التي واجهتها منذ تأسيسها وما زالت تواجهها، بعد مرور قرابة عامين من بداية نشاطاتها. لو تفضلت بتقديم نبذة تعريفية حول "الراصد الوطني للنشر والقراءة" والسياقات العامة التي تأسس فيها. هي فكرة راودت ثلة من المبدعين، المؤمنين بنبل الرسالة الثقافية التي تؤديها الكتابة والنشر، منطلقين من الهم الثقافي/الإبداعي ومستجدات الساحة الأدبية. الفكرة انطلقت من طنجة عبر حوارات ولقاءات تواصلية مع مختلف المهتمين بالشأن الثقافي من مبدعين ونقاد وإعلاميين وناشرين وقراء، حول مشروع تأسيس إطار وطني يعنى بقضايا النشر والقراءة، خاصة أمام تراجع نسبة القراءة، وعجز الكاتب المغربي عن نشر كتابه وتوزيعه، وضعف حصيلة دعم الكتاب المغربي من طرف الجهات الرسمية. الفكرة قوبلت باللامبالاة والاستهزاء والرفض من طرف دعاة الثقافة والأوصياء عليها، إلا أن الانطباعات الجيدة والتشجيعات التي توصلنا بها من البعض الآخر، ساهمت في تجسيد الفكرة على أرض الواقع، فتأسس "الراصد الوطني للنشر والقراءة" (رونق المغرب) في مطلع 2013 بمدينة طنجة، - بعيدا عن المدن المركزية كالرباط والدار البيضاء التي اعتادت احتضان مبادرات وطنية مماثلة – جمعية، وطنية، ثقافية، تنادي بأهداف نوعية، في مقدمتها الاهتمام بالنشر والقراءة، وطرح هذه الاهتمامات للدراسة والنقاش عبر مجموعة من الندوات والأنشطة الثقافية بشكل ممنهج ومدروس. هل "الراصد الوطني" بديل للمؤسسات الثقافية والنشر التي تنشط أو من المفروض أن تنشط على الساحة الثقافية؟ وما هي أنشطتكم بالتحديد والهدف منها؟ "الراصد الوطني للنشر والقراءة" ليس ندا أو بديلا لأي دار نشر أو مؤسسة ثقافية أخرى. لكل منا أهداف واستراتيجية خاصة به، ونحن من موقعنا نحيي كل المبادرات التي ينتعش بها المشهد الثقافي من حين لآخر، ونحن مستعدون للتعاون مع كل الإطارات التي تشترك معنا في نفس الأهداف، كما نرحب بكل الاقتراحات والمشاريع الثقافية التي تخدم توجهنا الثقافي. منذ تأسيس "الراصد الوطني للنشر والقراءة" ونحن نحاول جاهدين بإمكانيات ذاتية متواضعة، التحسيس بفعل القراءة والتنقيب على الطاقات المبدعة واحتضانها من خلال الورشات الإبداعية التي ننظمها بالمؤسسات التعليمية (الإعدادية والتأهيلية)، وكذا الاحتفاء بالكتاب المغربي عبر حفلات توقيع وجلسات نقدية، وندوات ولقاءات تواصلية حول تحديات ورهانات الكتاب المغربي وواقع النشر والقراءة بالمغرب. هي أنشطة نهدف من خلالها إعادة الاعتبار للكتاب المغربي، والانفتاح على الأقلام المغمورة والمهمشة وفتح المجال أمامها للاندماج في المشهد الثقافي/الإبداعي. لا شك أن انطلاقة مثل انطلاقة الراصد في العمل الثقافي لا بد أن يثير مسألة الدعم؟ هل هناك جهات تدعمكم أم أن الأمر يرتكز على مبادرات ذاتية؟ يؤسفني القول، إنه على الرغم من الحراك الثقافي الذي أحدثه "الراصد الوطني للنشر والقراءة" بشهادة المهتمين والمتتبعين لأنشطتنا، وعلى الرغم من تنفيذنا لما يزيد عن 68 نشاطا ثقافيا وإبداعيا موجها للكتاب والأقلام الناشئة والمهتمين بالقراءة والنشر، سواء داخل طنجة أو خارجها، لم نتلق أي التفاتة سواء من الجهات الرسمية أو غير الرسمية. هنا نتساءل عن المعايير التي تستخدمها الجهات المسؤولة من أجل دعم الجمعيات الثقافية، وهل يفترض بنا أن نتحول إلى بوق انتخابي من أجل الالتفات إلينا، وهل هناك فعلا اهتمام بالحقل الثقافي أم أن الثقافة مجرد شعار بين طيات الورق...؟ إلا أن العائق المادي لن يقف يوما في وجه أهدافنا وطموحنا وأحلامنا الإبداعية والثقافية اللامحدودة. على الرغم من حداثة الجمعية أنجزتم العديد من الأنشطة التي كان لها صيت على المستوى الوطني، ما هو السر وراء ذلك؟ القلوب البيضاء التي واكبت خطواتنا الأولى، والمبدعين الذين آمنوا بنا، وبأهمية أهدافنا، وطبيعة أنشطتنا، الطاقات الإبداعية الناشئة التي تعقد آمالها علينا لنعبر بها إلى عوالم الإبداع المتشعبة، الأحلام التي رسمناها لرونق، التحدي، الرغبة في تكريس ثقافة جادة وهادفة، والتنقيب على الأقلام المهمشة والمغمورة والناشئة، هي أسباب تدفعنا إلى الاستمرار والمزيد من العطاء. ما هو الجديد الذي يقدمه الراصد في مجال الاصدارات؟ ونحن ننظر إلى واقع النشر والقراءة بالمغرب، نجد الوضع معقدا والرهان منفلتا، فإشكالية النشر تدفعنا إلى الحديث بشكل مباشر عن أزمة إنتاج الكتاب المغربي من حيث طبعه ونشره وتوزيعه، ذلك أن الكاتب هو من يتحمل التكلفة الإنتاجية للكتاب، ويتعرض للابتزاز من طرف الشركات المحتكرة للتوزيع بالمغرب في غياب مؤسسات الوسيط بين الكاتب والقارئ، وغياب دور الدولة والمثقفين والمؤسسات الثقافية في خلق استراتيجية للنهوض بالقراءة والتشجيع عليها، وكذا غياب الدعم الإعلامي للكتاب المغربي. هي عوامل دفعتنا إلى التفكير في المساهمة بهذا المجال، من خلال الوساطة بين الكاتب والمطبعة من جهة وبين الكاتب والقارئ من جهة أخرى، حيث يقوم "الراصد الوطني للنشر والقراءة" بالإشراف على مختلف مراحل إنتاج الكتاب، وترويجه بمختلف وسائل الإعلام، وكذا تنظيم حفلات توقيع وجلسات نقدية للتشجيع على القراءة، والتوزيع بأهم المكتبات المغربية. عقد الراصد شراكة مع الاكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة طنجةتطوان، وأنجز مجموعة من الأنشطة؟ هل صادفتكم عوائق ما؟ وماهي الفائدة التي خرج بها الراصد من خلال هذه الورشات وهل تفكرون في مواصلة الأنشطة تحت مظلة هذا الإطار؟ فعلا، لقد عقد "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في 30 أكتوبر 2013 اتفاقية شراكة مع "الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة طنجة - تطوان"، وهي مبادرة نسعى من خلالها إلى الانفتاح على أدب الشباب، واحتضان الطاقات الناشئة وتطوير قدراتها الإبداعية وتشجيعها على تلمس خطواتها الأولى في مجال الكتابة وتحفيزها على القراءة. وذلك بعد مبادرة تنظيم الورشات القصصية واللقاءات الإبداعية مع التلاميذ التي نظمناها ببعض المؤسسات التعليمية، بتنسيق مع "نيابة التربية الوطنية طنجة - أصيلة"، وعلى ضوء الصدى الذي خلفته هذه المبادرة لدى التلاميذ، أصر "رونق" على توسيع المبادرة لتشمل مختلف المؤسسات التابعة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين طنجة – تطوان، خاصة وأن هذه الأخيرة وعدتنا بتسهيل الاتصال بالمصالح الجهوية والمؤسسات التعليمية. إلا أن حلمنا في التخلص من التعامل مع الإدارات تبدد بعد توقيع الشراكة، فوجدنا أنفسنا مرة أخرى في مواجهة المعيقات البيروقراطية للإدارة، إضافة إلى غياب الدعم المادي من طرف الأكاديمية والوزارة المعنية، واعتمادنا على إمكانياتنا البسيطة لتغطية مصاريف التنقل والإقامة بمدن الجهة، فإننا تحملنا عبء التواصل مع النيابات والمؤسسات. هناك من فتح بابه في وجهنا، وهناك من أغلقها وأرغمنا على العودة من حيث أتينا. لكن إصرارنا الكبير على تنفيذ برنامجنا الموجه للناشئة، وتتبع مسيرة الطاقات المبدعة التي اكتشفناها خلال الورشات الإبداعية، جعلتنا نقاوم بتحد وصبر، متخطين صمت الأكاديمية عن تقديم تبريرات مقنعة لهذا التماطل الذي طال تنفيذ بنود الشراكة، بحيث توصلت شخصيا بمبررات واهية، غير قابلة للتفسير، كما أنني اصطدمت كثيرا بسلوكيات موظفي مكاتب الأنشطة ببعض نيابات الجهة حتى لا أقع في التعميم، تحسرت عندها على منظومتنا التربوية ومستقبلها، ولولا تدخل بعض الأساتذة الذين قدموا لنا مساعدات جليلة، لما تمكنا من تنفيذ هذه الورشات الإبداعية، التي ألغيت خمس منها، بسبب تعنت الإدارة عن استقبالنا في غياب مراسلة رسمية من النيابة في الموضوع، ما يدفعني إلى وضع علامات استفهام أخرى، عن سبب تغييب الثقافة والإبداع من المؤسسة التعليمية. والإصرار نفسه، دفعنا إلى وضع طلب شراكة مع "وزارة التربية الوطنية" لتعميم التجربة على الصعيد الوطني، ونحن واعون بمسيرة الاصطدام مرة أخرى مع إدارات الأكاديميات، والنيابات، والمؤسسات... إلا أن الحلم الكبير الذي رسمناه منذ البداية من أجل الناشئة سيجعلنا قادرين على إيجاد حلول مناسبة، للاستمرار في مشروعنا الإبداعي. ماهي المعايير التي تعتمدونها في اختيار الأسماء المشاركة والكتب الموجهة لحفلات التوقيع؟ فيما يخص الأسماء المشاركة، نحاول الانفتاح على الأقلام الجديدة والمهمشة والطاقات المبدعة التي نكتشفها من خلال الورشات الإبداعية بالمؤسسات التعليمية. أما فيما يخص الكتب الموجهة لحفلات التوقيع، تجدر الإشارة إلى أننا نتوفر على لجنة قراءة مكونة من ثلة من المبدعين والنقاد للاهتمام بهذا الأمر. مؤخرا تم الاعلان عن نتائج مسابقة إبداعية، ماذا يمكن القول عن هذه التجربة، وما السبب في حجب جائزة الشعر؟ أعترف بأنها تجربة صعبة، خاصة وأن الجائزة كانت تتضمن ثلاثة أجناس أدبية: الشعر، القصة، الزجل، وموجهة لمختلف الأقلام المغربية والعربية، وعدم التزام المشاركين بشروط الجائزة، صعب علينا مهمة فرز النصوص المؤهلة للمشاركة بالجائزة، بحيث تم إقصاء 448 مشاركة – لم تتقيد بشروط الجائزة -، وقد أفرزت لجنة القراءة الفائزين في جنسي القصة والزجل، في حين تم حجب جائزة الشعر وذلك لضعف النصوص المشاركة كما جاء في تقرير لجنة القراءة المكونة من الشعراء: أحمد بن ميمون ومحمد العناز ومحمد أحمد بنيس. لاحظنا من خلال المنشورات الصادرة عن الراصد أنها لأعضاء الجمعية، هل هذا يعني أن عملية النشر تخص الأعضاء فقط؟ هي مجرد صدفة فقط، فالباب مفتوح في وجه جميع الكتاب، الذين يثقون في مصداقية "الراصد الوطني للنشر والقراءة"، خاصة وأننا نتوفر على لجنة لقراءة الاعمال الموجهة للنشر. لقد أعلنتم سابقا عن تنظيم "المعرض الوطني الأول للإبداع والكتاب" أيام 16، 17، 18، 19 أكتوبر 2014، فما سبب تأجيل هذا المعرض؟ وهل هناك إمكانيات لتنظيمه مستقبلا؟ فعلا، كان من المفترض تنظيم "المعرض الوطني الأول للإبداع والكتاب" بهذا التاريخ، وكنا مصرين على تنظيمه بطنجة وبساحة الأمم، الموقع الاستراتيجي بالمدينة، وذلك من أجل تقريب الكتاب من القارئ وإخراج الثقافة من الفضاءات المغلقة إلى الفضاءات المفتوحة، تعميما للفائدة والانغراس وسط أفراد المجتمع، إلا أن ولاية طنجة وبعد انتظار لمدة شهرين ونصف، صدمنا برفض شفوي، مع أننا تقدمنا بطلب كتابي إلى المصلحة المسؤولة، وذلك قبيل تاريخ المعرض بعشرين يوما، مما أوقعنا في ضيق الوقت وغياب فضاء بديل، فتم تأجيله إلى تاريخ آخر سنعلن عنه في القريب العاجل.