لا احد يمكنه التنبأ بمدى ما سيصل اليه التطور العلمي والتكنولوجي، الأمور تتطور بسرعة فيما لا يزال البعض يتساءل هل تكتب الهمزة على الواو ام على الألف، البعض فقط، الآخرون منشغلون بالبحث عن "الهمزة" و"الهموز"الحقيقية. المفاهيم تغيرت والعلوم في تقدم مستمر، لا غرابة اذا سمعنا ان " آپل" او "سامسونغ" طورت تطبيقا يقرأ ما يدور بعقلك، سيختفي إذن الكذب والخداع لان كل شيء سيصبح واضحا !! الغشاش ستكون له رنة والكذاب رنة ولربما تكون للمحتال "رنة مع ڤيبرور" لمزيد من التحذير .. المهم ان المسائل ستكون شفافة ومتاحة لا يسودها الغموض ولا تحتمل المخاطرة. فما ان يبدأ احدهم بالحديث حتى يتحسس "التطبيق" في الهاتف الذكي، المساحات الفارغة في "الهضرة الخاوية" يعمل بعدها على تحليل الذبذبة في النطق وربطها بالاعصاب لتأتي النتيجة عبارة عن رنة مميزة او فقط "بيپ " اذا كانت الأمور بسيطة لا تتجاوز ما يعرف ب "السحاسح". الامر ليس مستبعدا ! فمن كان يعتقد انه سيأتي اليوم الذي نتواصل فيه بالصوت والصورة مع العالم كله ونحن تحت غطائنا في غرفة النوم !؟ من كان يظن ان "اليوتوب" سوف يصبح مهنة، وتلفزة ونافذة للعرض تعوض كل القنوات ودور السينما والبرامج... في السابق كان البعض يقطع عشرات الكلمترات مشيا على الأقدام الى "الفيلاج" او الدوار المجاور حيث المقهى الوحيدة التي تتوفر على جهاز فيديو، "تفرسيت" نموذجا، يسترقون بعض اللقطات والرقصات من الفيلم الهندي قبل ان يقفلوا عائدين الى بيوتهم !! في الطريق كانوا يتحدثون عن كل شيئ وعن لا شيء، يتخاصمون "يتناقشون" يصححون لبعضهم البعض بعض المعلومات او يُخٓطِّئون بعضهم البعض، يعلمون بعضهم البعض من وحي تجارب مختلقة مفبركة.. المهم كان هناك أخذ ورد .. على عكس ما يحصل اليوم. اليوم يشاهد الطفل والمراهق والشاب وحتى الرجل المتزوج صاحب الأولاد، يشاهد البرامج والأفلام والمسلسلات الكثيرة على لوحه و "ايباده"وحده، يضحك وحده، يعلق وحده ويرثي وحده... حتى اذا أراد ان يشارك احدا فإنه لا يجد من يجاريه في النقاش، فالطفل غارق حتى أذنيه في لعبة الاستراتيجيات الحربية في الجزيرة البوكيمونية.. طبعا اللعب ليس عيبا.. الكل مدعو الى ان يساعد أطفاله على اللعب!! الجميع ملزم بتقريب اللعب من الأطفال وتوفيره وتشجيعهم عليه بما في ذلك الدولة، الطفولة فئة عمرية تتعلم وتنضج وتتأهل للمراحل العمرية الأخرى باللعب.. ان من لا يلعب وهو صغير، يلعب وهو كبير وهذا هو الخطير !! اننا نظلم الأطفال كثيراً عندما نصف تصرفات بعض البالغين بالصبيانية. الجماعة أصبحت مجموعة أفراد، المراهق اكمل لتوه الموسم العشرين من السلسلة البوليسية "الأكثر انتشارا على النت " والمليئة بالجنس والدم ، وسيدة البيت لا تفارق قصص الناس و برامج الهم والغم.. اما "مول الأولاد" فتجده غارقا في الشبكة الاجتماعية يبحث عن نماذج فاشلة يبرر بها عجزه وقلة حيلته... يتبادل الجميع في المكان الواحد، الطفل والشاب والام والأب يتبادلون نظرات تشبه نظرات لاعبي البوكر، توجس وترقب وكثير من التركيز وقلة التركيز في آن، كل واحد يسبح في عالمه الخاص الذي اختاره وارتضاه لنفسه. بالعودة الى "السحاسح" و بالنظر الى هذا التطور لا بد ان يأتي اليوم الذي يطور فيه العلماء سكانير يحدد الخلايا المسؤولة عن الكذب والغش في الانسان يرتبوها في سجلات ويجعلون منها معايير تحدد الكذاب من الصادق والمخادع من الأمين ... ان اكبر ما يفسد علينا العيش كجماعة هو وجود الكذابين بيننا .. انهم يدفعون العالم الى الخلف، الكذب خصلة لا توجد لدى الحيوانات، الحيوانات لا تكذب ولا تنافق، انها خصال مكتسبة وليست غريزية، الكذابون هم اخطر من يعيق النمو والتحضر .. مامعنى ان تتعامل مع احدهم على أساس وجه ويتصرف معك على أساس وجه اخر لا تعرفه ولا تريد التعامل معه، وجه يجبرك في كل مرة على العودة الى نقطة الصفر.. بفضل هذا التطبيق على الأقل سوف نتعرف عليهم وعلى وجوههم، سوف نجالسهم، نلعب معهم الكرة، نبادلهم الزيارات ولكن أبدا لن نثق بهم، لأنهم وكما تقول الفتاة في العلبة الصوتية قد نفذ رصيدهم