ما كنا نعرفه عن علماء الإسلام وفقهائه أنهم كانوا في المراحل الأولى من التاريخ العربي بعد الإسلام متطوعين للدعوة والإرشاد وهداية الناس والتوجيه إلى الخير ، والاجتهاد وفقا لشروط أهل البلد الاجتماعية والاقتصادية والحضارية ، وهم من رسخوا معيارين اجتهاديين أساسيين : للضرورة أحكام و الضرورات تبيح المحظورات ، وهم من أوقفوا العمل بنصوص – ضدا على مقولة لا اجتهاد مع وجود نص – انطلاقا من المعيارين السالفين ورغبة في درء المفسدة والضرر ، وفي جلب المنفعة والخير للمجتمع ! قلت إنهم كانوا متطوعين بالمعنى الحديث للكلمة ، أي أنهم في معظم الأحوال لم يكونوا يتقاضون راتبا (إلا في القرون البعدية بعد ترسخ الاستبداد ووراثة الحكم وقهر الناس لتقبل الأمر الواقع) أو هبات أو منحا ، لأن من شأن ذلك تثبيت لربط الشأن الديني الدعوي الاجتماعي بالماسك بالسلطة ، ولأنه لا رهبانية في الإسلام ، وعلى اعتبار أن الدين لله يهم كل من اعتنقه وليس حكرا على أحد يمتلك مفاتيحه السحرية وتنغلق طلاسيمه على من دون الخاصة العالمة ! أسوق هذا لأني لا أفهم كيف تؤدى من المال العام رواتب (أو منح أو هبات أو لنسمها كما نريد ، فالمهم هو الفعل وليس الإسم) للذين يقرؤون الحزب بعد صلاتي المغرب والفجر (مهما هزلت) وللذين يؤذّنون ويؤمون الناس في الصلوات الخمس وخطباء الجمعة والعلماء أعضاء المجالس في الداخل والخارج تفوق أحيانا 25 ألف درهم في الشهر ، مقابل ماذا ؟ ماذا يستفيد المواطنون من كل هذا ؟ إصدار فتاوي تهدر دماء الموطنين باعتبارهم مرتدين ؟ القيام بحملات لصالح الدساتير الممنوحة ؟ القيام بدعايات تحريضية ضد حرية التفكير والتعبير والتشكيك في إيمان من يفكرون ضد السياسة الرسمية ؟ ... ناهيك عما نرى عليه شيوخ السلفيين (وجلهم من أشباه المتعلمين) من بحبوحة عيش ورفاهية ، بينما مريدوهم يعيشون على الكفاف ويرسلون ، هم و/أو أبناؤهم ،للقتال والموت من أجل أهداف يجهلونها أو لا يعلمون إلا ظواهرها ، ويفتون في أمور لا ترقى معرفتهم إلى مستواها ، بل يقزمون مكانة المرأة بجعلها مجرد قينة في بيت زوجها أداة للمتعة ووعاء للنسل منذ نعومة أظافرها ، ويشجعونها على الدعارة الجهادية التي يحلونها لأنها تحمس المجاهدين وتشحنهم بطاقة تمكنهم من قتل أعدائهم و أعداء الله الذين ما هم في نهاية المطاف سوى مواطنيهم أو مسلمين مثلهم أو بشرا (وهو الغالب الأعم) لا علاقة لهم لا من بعيد ولا من قريب بما يجري !! بينما يرسل هؤلاء الشيوخ أبناءهم للدراسة في أغنى وأشهر الجامعات بأمريكا وأوروبا اللتين لا يتوقفون عن نعتهما بأذم الصفات وأقدحها ، لكنهم لا يتورعون عن اللجوء إليها أو لطلب حمايتها كلما ادلهمت عليهم الأمور ! فكيف نسمي كل هذا وفي أية خانة نضعه ؟ صحيح أن الفقر يولّد الكفر وصحيح أيضا أن الجهل يسهّل الفتن ، وهما معا يسهلان عمل علمائنا الشرعيين الممخزنين وعمل شيوخنا السلفيين على السواء إلا من رحم ربك ، لهذا وجب إبقاء العامة/الغوغاء/الأوباش/الرعاع في دار غفلون في جهلهم يرتعون وفي فقرهم يسدرون ، لأن العامة متى تعلمت فهمت ومتى فهمت وعت ، ومتى وعت ثارت وتمردت على الاستبداد وأذنابه (رحم الله عبد الرحمان الكواكبي – في كتابه طبائع الاستبداد ، في فصل : العلم والاستبداد . يرجى قراءة الكتاب لمن لم يقرأه بعد !!) . .