فرش نظري: الجسد عنوان انخراطنا في الحياة، انه أول من يعلن انتماءنا لها،و صمام الأمان نحو أفق معرفي خصب وفسيح يعانق لغة الجمال ويهيم بها حبا لذلك، ان الاوان لكي نعيد الاعتبار لهذا المدان دون جريمة ارتكبها(على حد تعبير فريديريك نيتشه)،خاصة وقد غدا موضوع الجسد بؤرة فكرية مؤسسة لكل الثقافات والخطابات (الاشهارية، الدينية، السياسية، والفلسفية، الدرامية، الرياضية والادارية)،ويسعى جاهدا الى فهم وقراءة حياة الانسان بكل أريحية، وعشق، ولذ ة وحلم، اذ قراءة النسيج المجتمعي والحقل السياسي-كما يؤكد ميشيل فوكو وبيير بورديو- يمر عبر الجسد الذي يمكن أن يهتدي الى حقائق صادمة ومهمة في نفس .الوقت، باعتباره خزانا ولودا، ومنجما خصبا من الطاقات والامكانات والمهارات ولما كان الجسد الوجه الفيزيقي للانسان ،فانه أبدع عدة شكال تعبيرية وتواصلية لكي يبوح بما يخامرالكائن البشري من مواقف وحالات انفعالية من خلال لغة استعارية رمزية دالة ومعبرة على حد تعبير دافيد بروتون، اذ بدون هذا الجسد الذي يمنح حضورا ماديا،فالانسان لايوجد،وبهذا ،فان الوجود الانساني هو جسدي ومن هنا، كان الجسد فاعلا أساسيا مساهما في انتاج القيم وتوليد الدلالات، وجذرا خلاقا لعدة ايقونات سيميائية عبر سيرورة تاريخية متجددة لها امتداداتها وتجلياتها ،ومن بينها تجلي الكتابة، باعتبارها مجالا للانتاجات الرمزية التي تمارس كما الجسد نوعا من الغواية والفتنة والسحر،عبر بلاغة خطابهاوبياناتها وايماءاتها، الى درجة امكانية استكشاف العلاقة النوعية القائمة بين الجسد والكتابة، مما اعتبر نوعا من القران الفريد بين الجسد الثقافي على مستوى الكتابة والجسد البيولوجي ،كما لو أنها نوع من العلاقة الايروسية بين حساسيتين جسديتين، كتلك التي تحدث بين تزاوج الحروف على حد تعبير أئمة الصوفية، مما يستدعي الانصات لأسئلة الجسد المتجددة باستمرار ومادامت تتعدد مجالات الاشتغال على الجسد، فنحن أمام واحد متعدد يتدثربعباءات وأقنعة متنوعة، الشئ الذي يسوغ تساؤل رون بارت المشروع عندما قال: الجسد أي جسد؟ للدلالة على محورية مقولة أومبحث الجسد في كل الحقول العلمية باعتباره مقولة عبورية مركزية من والى الجسد ككتلة فيزيولوجيةن ومعطى بيولوجي، حمال لعدة استعمالات لغوية ايحائية وتقريرية(لغة المصافحة ولغة العيون وتبادل القبل)،كأبعاد تواصلية دلالية للجسد ،وهذا يعني ،في نهاية المطاف، أن الجسد بحكم تمثلاتنا الثقافية له يختلف حسب الجغرافيا، والتاريخ، والثقافة رغم المشتركات البيولوجية التي لا يدركها الاخبراء علم الطب: فالجسد الافريقي –من الناحية الثقافية- ليس هو الجسد الصيني على سبيل المثال لا الحصر،ومعلوم أن تاريخ الميتافيزيقا من سقراط الى هيغل قد مارس نوعا من الاقصاء و الاعدام و الدونية لمقولة الجسد بدعوى أن السمو الروحي والتحرر من ضغوطات الحياة واكراهاتها رهين بالتخلص من الجسد المعرض للتلاشي، والزوال، والتدنيس، وهذا ما يختلف جذريا عن التصور الاسلامي ازاء مفهوم الجسد من خلال الفلسفة التعادلية التبادلية بين الجسد والروح دون المفاضلة بينهما انطلاقا من قوله تعالى: فاذا سوته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ،على أساس التلازم والتشارك والتجاور بين مطلب الروح ومطلب الجسد، مادامت التسوية والنفخ فعلين انجازيين متعلقين بالذات الالهية ، هذا بالاضافة الى احتفاء الاسلام بالجسد على مستوى المظهر الخارجي، قال تعالى: يا بني ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا انه لايحب المسرفين ومن هذه الاية نستنبط أنه يستحب التجمل في الصلاة وخاصة يوم الجمعة والعيدين والتطيب لأنه من الزينة والسواك لأنه من تمام ذلك ولباس الأبيض من الثياب اقتداء بالهدي النبوي قال رسول الله عليه وسلم: البسوا من ثيابكم البياض ، فإنها من خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم ، وإن من خير أكحالكم الإثمد ، فإنه يجلو البصر ، وينبت الشعر وقوله صلى الله عليه وسلم: لولا ان أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة والأدهى من ذلك، أن التصور الاسلامي قد نظم نشاطات وسلوكات الجسد في المأكل، والمشرب، والنوم، بل ووضع ضوبط وأخلاقيات للحياة الحميمية، ودعوة الاسلام الصريحة الى الاقبال على الحياة قال تعالى: ولاتنس نصيبك من الدنيا وجاء في الأثرمايلي:اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا ،مما يؤكد نوعا من التبنين الثقافي للجسد على مستوى العقيد والشعائر والعبادات من صلاة وصوم وحج باعتبار الجسد نقطة عبور .مركزية لكل المعتقدات والسلوكات الاسلامية يتبع باذن الله .