لم تجد قيادة "العدالة والتنمية" حرجا في إصباغ حادث حضور صهيوني إلى مؤتمر الحزب المذكور بأكثر من لون، بيد أن كل هذه الألوان تتأرجح بين الكذب والصمت المتواطئ واعتماد نظرية التآمر للتغطية على انقلاب موقف صحابة بنكيران، في الحزب و ذراعه الفقهية حركة التوحيد، إزاء قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني. حاولت قيادة المصباح، في البداية، رسم استنكار المغاربة، بكل مشاربهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية، لهذا السلوك التطبيعي وكأنه هجوم على صحابة بنكيران في إطار الصراع حول الريع السياسي المخزني. بيد أن القيادة تنبهت، لاحقا، إلى أن اعتماد تكنيك التآمر غير مجدي في هذه الحالة حتى لو تم التمويه بأن الموقف هو تقويض للحركات الإسلامية وهدم لدعائم الإسلام، كما تم القيام به في المناسبات السابقة؛ وبخاصة في الصراع حول مدونة الأسرة. ففي الوقت الذي تصدى فيه زعماء المصباح لتكذيب الخبر- الفاجعة بالتمويه إلى أن الصهيوني المعني بالأمر، عُوفِير بْرَانْشْتَايْنْ، هو داعية للسلام ومنحاز لخيار إقامة الدولة الفلسطينية. غير أن سيولة تدفق المعلومة في عالم النيت أظهرت كذب صحابة بنكيران، وعرت عن حقيقة حزب العدالة والتنمية كقماش من حرير يغطي اليد الحديدية للمخزن. الصهيوني الحاضر في مؤتمر العدالة هو مستشار لرئيس الكيان الصهيوني المغتال، إسحاق رابين، في الترتيبات السياسية لمسلسل التسوية بمنطق الاستسلام. الصهيوني الذي شرفته العدالة والتنمية بتدنيس أرض محمد بن عبد الكريم الخطابي، بصفته المسؤولة في الكيان الصهيوني، يتحمل مسئوليات، على الأقل، معنوية في قتل وتجويع وترويع الفلسطينين والفلسطينيات. للأسف، فاجتهاد صحابة بنكيران في العدالة والتنمية لإظهار حسن النية وسلامة السلوك في الاختبارات المخزنية جعلت الحزب يتنكر حتى لمواقفه الخطابية إزاء قضايا كان يوهم أعضاءه أنها قضايا مبدئية. في كل الاستحقاقات السياسية السابقة، خصوصا ذات الاستثمار السياسي المباشر، يدفع الحزب بذراعه الفقهية، حركة التوحيد والإصلاح، لصناعة مواقف وفتاوي فقهية على مقاس الموقف السياسي الذي يعبر عنه الحزب المذكورة في عملية تكاملية يتنتاغم فيها الموقف الحزبي المصالحي مع الموقف الفقهاوي المنافق والانتهازي. ففي كل المناسبات المماثلة، كان صوت صحابة بنكيران في حركة التوحيد والإصلاح يملأ العالم ضجيجا وإزعاجا بالتنبيه إلى مخاطر تسرب الصهيونية إلى أرض المغرب المقدسة بكفاح أبنائه في الحرية، غير أن هذا الصوت سيتخذ وضعية "صامت" في الحالة التي تشرف الحزب باستدعاء واستقبال صهيوني في مؤتمر سياسي لحزب المصباح. وجه النفاق، هنا، ليس فقط هو الصمت الجماعي لأعضاء الحزب والحركة، بل تعداه إلى تجريم كل من سولت له نفسه إدانة هذا الفعل المخزي. وجه النفاق، أيضا، هو احتضان صهيوني في المؤتمر وتمريره بشكل ناعم بحضور القيادي في حركة حماس، خالد مشعل. بهذا الموقف، الذي أقل ما يوصف به أنه مخزي، هيأ حزب المصباح الأرضية المناسبة لجناح التطبيع لتقوية مبادراته الرامية إلى تجيير واجهة الكيان الصهيوني بدماء الأطفال والنساء والشيوخ. نعم من حق ما يسمى معهد "اماديوس"، اليوم، تعزيز مبادراته، التي سبق أن احتضن فيها برانشتاين وتسيبي ليفني، لأن صحابة بنكيران انقلبوا على وجوههم السابقة. فبالأمس، كان برنشتاين صهيونيا عندما استقبله المعهد المذكور. و اليوم، في مؤتمر المصباح، تحول إلى داعية سلام. لكن أغرب ما أفرزه هذا الحادث هو تصريح ذ بنخلدون، الذي يقر فيه صراحة أن اختيار ضيوف المؤتمر مرّ عبر الاقتراح أولا ثم الدراسة ثانيا والمصادقة من طرف اللجنة التحضيرية للمؤتمر… مبينا أن "الإسرائيلي" عوفير برانشاين حضر المؤتمر… كشخصية فرنسية وليست اسرائيلية. من المهم إثارة الانتباه إلى مسألتين: أولا، إقرار صريح للمسؤول الأول عن العلاقات الخارجية في حزب العدالة والتنمية بأن دعوة الصهيوني مرت بالدراسة والمصادقة، وهو ما يجعل الحزب متورطا، عن سبق إصرار وترصد، في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني. المسألة الثانية، فالصهيوني عوفير لم يشارك كإسرائيلي في المؤتمر، و إنما حضر كفرنسي داعية للسلام. حضر الشيطان، لكن ليس بصفته كإبليس