الجنس من أكثر المحظورات خطاً أحمر بمجتمعاتنا، فالسياسة والدين نتناولهم بالحديث والنقد في أحاديثنا الخاصة أو حتى مع أنفسنا في الخفاء لكن الجنس نخجل أو بمعنى أدق نخاف من الحديث عنه وهذا جعله ماده جيدة وشهية لمن يريد أن يلعب بإنفعالاتنا من أصحاب وسائل الإعلام المتدنية. ومحاربةً منا لتدني البعض وإيماناً بأن دورنا تخطى المحظور بمجتمعاتنا برقي من يقدم فكراً حقيقياً لبناء عقول أفراد مجتمعات الظلام والخوف . نقدم اليوم قراءة لكتاب"المرأة والجنس" للكاتبة المصرية نوال السعداوي . يبدأ الكتاب بمقدمة للدكتورة/ نوال تقول فيها أنها كانت ذات يوم تفكر في إغلاق عيادتها الطبية وفي أثناء إستغراقها في التفكير طرق باب العيادة فتاة- لم تنسى دكتورة نوال نظرات عينها مع مرور السنين على الرغم من أنها نست تماماً ملامح هذه الفتاة- وكان مع الفتاة رجل غليظ الصوت منفعل المشاعر وطلب من الدكتورة نوال أن تقوم بفحص الفتاة فسألتها بما تشكين؟ فأطرقت الفتاة رأسها ولم تجب بأي كلمة فأكمل الرجل غلظته قائلاً بصوت شديد الإنفعال " تزوجنا بالأمس وأكتشفت أنها ليست عذراء " فسألته د / نوال وكيف أكتشفت ذلك؟ فرد عليها بغضب : هذا شيء معروف لم أرى دم أحمر !! فقامت د / نوال بفحصها ووجدتها عذراء لكن غشاء بكارتها من نوع مختلف عن المعتاد ولا يتمزق إلا عند ولادة الطفل الأول وبعد أن سمعت ذلك الفتاة فرحت وتنفست الصعداء وكأنها لأول مرة تتنفس بعد طول إختناق وفرح زوجها وأقتنع أو أبدى كذلك أمام زوجته والطبيبة لكن ما إن ذهب للمنزل حتى قام بتطليق زوجته ولم يحمي تلك الفتاة البائسة سوى د / نوال حيث ذهبت لأسرة الفتاة شارحه لهم حقيقة وضع أبنتهم حتى لا يهدر دمها من قبل أخيها أو والدها. " عن جسد المرأة " عندما نقوم بتعريف المتلقي بأعضاء جسم المرأة لا يعني أن الجهل بالتكوين الجسمي للمرأة أكثر شيوعاً أو خطورة من الجهل بتكوين المرأة النفسي أو العقلي وذلك لأن العكس هو الصحيح فالجهل بنفس المرأة وعقلها أكثر انتشاراً من الجهل بجسم المرأة، لكن الظروف الاجتماعية منذ تاريخ ليس بالقريب ساعدت على إندثار نفس وعقل المرأة وأعتقد الناس أن المرأة ليس لها نفس وعقل كنفس وعقل الرجل. وقال كينيث ووكر " إن جهل الرجل بالمرأة لا يعني جهله بجسم المرأة ورغباتها والوظائف الفسيولوجية للجنس فحسب، ولكنه يعني أيضاً الجهل بما هو أهم وأخطر. ذلك هو الفهم الإنساني للمرأة كإنسان مثله تماماً" المحظورات والقيود التي فرضها المجتمع على المرأة وتحديداً على أعضائها التناسلية ساعد على تشويه معنى العلاقة الجنسية، وأرتبطت تلك العلاقة في الأذهان بالإثم والخطية والنجاسة وغير ذلك من التعبيرات المعيبة التي جعلت الناس يخشون الحديث عن الجنس وبالتالي أصبحوا يجهلون عنه الكثير، والجهل لا يعني أن المعلومات غائبة، لكن هناك ترويج لمعلومات خاطئة وهذا أشد أنواع الجهل ومن الأفضل للإنسان أن يواجه الحياة بلا معلومات على الإطلاق من أن يواجهها بمعلومات خاطئة تفسد فطرته وذكاءه الطبيعي. وتنعكس عقد الرجل النفسية والجنسية على المرأة وينتج عنها البرود الجنسي، فالرجل يفصل بين الحب والجنس فهو في معظم الأحوال يشتهي المرأة التي لا يحبها أما المرأة التي يحبها فإنه يعجز عن الإتصال جنسياً بها أو يتصل بشرط أن تظل هي المحبوبة العذراء العفيفة أو بمعنى أخر الباردة جنسياً وتعتقد كثير من الزوجات أن البرود الجنسي هو صفة الزوجة المحترمة، حيث تفاخر ببرودها هذا وترى أن الإستمتاع بالجنس صفة العشيقات فقط أو بنات الهوى، يستمتع الرجال بهذا الإنفصام في شخصياتهم فتصبح لكل منهم زوجة باردة وعشيقة مرغوبة لكنها محتقرة. " مفهوم العذرية " يجهل كثير من الناس ذلك الشيء المسمى " بغشاء البكارة " ويعتقدوا أن كل بنت لابد وأن يحتوي جسدها على هذا الغشاء، وأن هذا الغشاء يُفض في اللقاء الأول بين الرجل والفتاة ، وأن النتيجة دماً أحمر تراه العين فوق الملاءة. فهل هذا صحيح ؟ بالطبع لا. هناك عدد من القصص التي شهدتها د / نوال بنفسها أثناء عملها كطبيبة بالريف المصري حيث تروي وتقول أن هناك كثير من القصص والحالات التي شهدتها بعينيها أثناء تقاليد الزفاف الغريبة السائدة في بعض القرى، حيث تأتي"الداية" وتمسك العروس من ساقيها كما تُمسك الدجاجة قبل الذبح ، وتمد إصبعها ذو الظفر الطويل المدبب كالسكين في غشاء بكارة العروس ثم تجفف الدم الذي يسيل في " بشكير" أبيض يختطفه أب العروس بفرح رافعه عالياً ليراه كل الناس ويشهدوا بأعينهم على شرفه وشرف ابنته. وفي إحدى هذه الأفراح لاحظت د/ نوال سلوك الداية وشاهدت بدقة ما فعلته ووجدت أن الداية تمد إصبعها بعنف داخل مهبل العروس وحينما لم تسقط إلا قطرات قليلة من الدماء تخدش بظفرها المدبب جدار المهبل ليفرح الناس فشرف الفتاة يقدره الناس بمقدار الدم الساقط من غشاءها، لذلك الداية الأكثر شهرة بأي ريف مصري هي صاحبة الدم الأكثر ومعظم الأطباء بالريف صادفوا حوادث أليمة لفتيات مصريات نتيجة تلك العادة السيئة و تذكر د / نوال إحدى تلك الحوادث حيث أتتها فتاة في منتصف ليلة زفافها قام زوجها بإصبعه الغاشم وغلظته النفاذ من جدار المهبل وإحداث ثقب كبير في جدار المثانة فأصيب الفتاة بنزيف حاد. وللمجتمع مقاسين للحكم على الشرف حيث أنه فرض على العفة على النساء وحدهن ونتج عن هذا أن أصبحت المرأة تتحاشى الرجل لتحافظ على شرفها، لكن الرجل يطارد المرأة لأنه يريدها ولأن مطاردتها والإتصال بها لا يعيبه في شيء ويظل الرجل يطارد المرأة مستخدماً شتى الحيل في ذلك مرة بالحب الجارف، ومرة بوعود الزواج والخ . وحينما تثق به المرأة وتصدقه يقول عنها المجتمع بأنها سقطت أما الرجل فينطلق سعيداً ناجحاً يكرر تجاربه تحت سمع وبصر الجميع وهناك العديد من القصص التي تؤكد ذلك ونعلمها جميعاً ومذكور بالكتاب إحداها حيث أتت لعيادة د / نوال فتاة صغيرة يبدو من تورم يديها أنها تعمل خادمة بإحدى البيوت، قالت لها الفتاة أن سيدها والذي يعمل كوكيل لوزارة العدل أعتدى عليها أثناء تواجد زوجته خارج المنزل وأن سيدتها" زوجة هذا الرجل" عندما لمحت معالم الحمل على الفتاة سألتها من فعل بها هكذا؟ فقالت لها"سيدي" فقامت السيدة بضربها وطردها من المنزل فذهبت تلك الفتاة البائسة للطبيب لتجهض جنينها فرفضت الطبيب لأنها لا تمتلك عشرين جنيهاً ثمن العملية. أهذه الفتاة غير شريفة ؟ نعم المجتمع يرى ذلك، لكن تلك الفتاة شريفة وأسيادها هم من لا يحملون من الشرف سوى الأسم فقط . " البنت " حينما تولد البنت وحتى قبل أن تتعلم النطق أو التعبير عن نفسها إلا أنها تدرك من نظرات من حولها أنها ليست مثل أخيها الولد حيث تلاحقها المحذورات والخوف على أعضائها التناسلية وتذكر في هذا الإطار د/ نوال أنها عندما كانت طفلة صغيرة أدركت من والدتها أن هناك غشاءاً رقيقاً في مكان ما قرب السطح بين ساقيها وأنها لا يجب أن تقفز عالياً من فوق السلم وإلا تعرضت للتمزق ويكون نصيبها هي وأسرتها كارثة بالغة، وحينما تقدم بها العمر قليلاً تغير شكل خوفها حيث لم تعد فقط تخشى القفز والسير بخطوات بطيئة حذرة وإنما أصبحت تخاف الغرباء وتخشى الخروج بمفردها من المنزل، فقد أدركت أن خطراً ما يكمن لها في ذلك العالم الخارجي وأنه يجب ألا تتحدث للغرباء وخاصة الرجال منهم حتى لا يحدث لها شر مستطير، وفي شعورها هذا ربطت بين الرجال وذلك الغشاء الرقيق القائم قرب السطح بين ساقيها، وكانت كلما جلست بالصدفة بجوار رجل من غير أفراد أسرتها تضم أرجلها بقوة حتى لا يتسرب الهواء الذي يتنفسه هذا الرجل ويتسلل بين ساقيها ويصيبها بضرر خاصة وأنها كانت سألت والدتها عن كيف تلد النساء؟ فقالت لها عندما يتزوجن فكررت سؤالها كيف؟ فقالت لها لأنها تعيش مع أب أطفالها وتأكل معه وتتنفس الهواء ذاته فتصورت وقتها بعقل الطفلة أن الهواء الذي يتنفسه الرجل يتجمع في بطن الأم ويكّون الجنين. البنت تواجه منذ طفولتها تناقض المجتمع ففي الوقت الذي تُحذر فيه من الرجال وتخاف من الجنس تُشجع على أن تكون أداة للجنس فقط وتعلم كيف تكون جسداً فقط وكيف تجعل هذا الجسد جميلاً من أجل الرجل. وهذا التناقض في شخصية المرأة ينعكس في تناقضات أخرى كثيرة بحياتها فهي تريد الرجل ولا تريده. وهي تقول لا وتعني بها نعم. الرومانتيكية مرض يصيب الفتيات حيث يفصلن بين جسد الرجل والرجل ذاته. إنه نوع من الشيزوفرينيا أو الإنفصام تلحقه الفتاة بالرجل لتهرب من الشعور بالإثم. فهي بحكم التربية والتقاليد السائدة تربط بين الإثم والإتصال بجسد الرجل ويكون الرجل الوحيد الذي يناسب كبتها هو أن تطلق العنان لخيالها وتصنع رجلاً وهمياً، وحينما تكبر الفتاة تصاب بخيبة أمل كبيرة إذ تجد الحقيقة دائماً اقل من الخيال، ويصدمها أن تجد للرجل جسداً وعضو تناسل ولحماً ودماً. وأنه يبصق ويدخل دوره المياة ولا تصيبها قبلة الرجل بتلك الرعشة التي كانت تحدث لها مع فارس الأحلام. ويمكننا أن نتصور مدى التعاسة التي تعيشها الفتاة في أول حياتها الزوجية وربما تصيبها خيبة الأمل تلك بالبرود الدائم، وقد تستطيع إذا حظيت برجل ناضج وواع"هذا نادراً جداً" أن تشفى من مرض الرومانتيكية وأن تبدأ الإستمتاع بحياتها الطبيعية بعد سنوات من الأحلام. إن الطاقة الجنسية في الإنسان رجلاً كان أو إمرأة طاقة ضخمة جبارة وليس هناك من تعبير عن نقص ورغبته في الكمال أبلغ من الرغبة الجنسية. فالجو الجنسي ينشأ عن رغبة الجسم والعقل والنفس في البحث عن شيء يلبي إحتياجاتهما جميعاً. هذه الغريزة القوية قادرة على تحريك كل ملكات الإنسان في الخيال والإبتكار. وكما قال نيتشه"إن الطاقة الجنسية في الإنسان تمتد بطبيعتها إلي أعلى قمة في نفس الإنسان وروحه وكيانه" وحيث أن الطاقة إذا كُبتت لا تضيع أو تفقد، وغنماً تنحرف عن مسارها الطبيعي لمسار أخر، فإن الطاقة الجنسية المكبوتة عند البنات تنحرف إلي طريق أخر غير الرجل.