كتب : أ. محمد وحيد عوض مدرب إعلامي معتمد دولياً هو ليس مسلسلاً درامياً .. ولا حتى فيلماً وثائقياً، ليس حلماً أمسياً .. وإنما هو واقعاً فلسطينياً، بالأمس شاهدت صورة رجل يُقبِل جمجمة فتوقفت على قارعة الطريق أشاهده من بعيد، وهناك على الجانب الآخر كانت أم تحتضن بعض الأتربة، وسمعت كبيرة السن هناك تصرخ بكل حُرقة وألم :: بالله عليكم .. أتركوني أستنشق عظام ابني :: صُعقت جداً وقتها من صعوبة الكلمات في نفسي وتوقف عقلي عن التفكير، أدى الأمر إلى أن ارتعشت أطرافي وذرفت دموعي دون وعيٍ مني . عزيزي القارئ .. صعبة هي تلك الكلمات في نفسك بداية بالعنوان ونهاية بالفقرة الأولى، ولكن لا ترهق نفسك في التفكير، كل ذلك لأني سوف أضعك بصورة القصة من بدايتها، هي بداية قصة شعب انتفض لاغتصاب أرضه وانتهاك حرماته، شعب رفض الواقع الذي فرضه العالم عليه، شعب يدافع عن كرامة الأمة ويحمي شرفها، في حين أن زعماء الدول قد أعطوا الضوء الأخضر لكل زناة الأرض أن يدنسوا حرمة أرضنا . ما بين مُعتقل وآخر مصاباً وجريح .. وهناك من يسقط أشلاء ونحتسبه عند الله شهيد، دماء هنا وهناك في كل أرضنا ولا أحد يحرك ساكناً، ولكن المُغتصب بدء يفكر بطريقة أشد بالتعذيب من القتل وسفك الدماء، احتجاز جثث الشهداء .. هي تلك الآلية التي يُعذب بها عائلات فلسطينية منذ سنوات .. صعب هو التصور .. عندما تفقد شهيداً ولا تستطيع احتضانه لسنوات، ولا تستطيع أن ترى وجهه .. وبعد عشرات السنوات من احتجاز جثته بقرار من عدوك، قد خرج إليك مُكللاً بالورود وشرف البقاء . آسف شُهداؤنا .. فقد خانتني حقاً العبارات .. ولا أستطيع أن أستوعب أكثر من الكلمات .. !! ولكن عزيزي القارئ .. لا تستغرب ولا تُستفز من شناعة التصور .. فقط لأننا في فلسطين، فعندما ترى كبير السن يُقبل جمجمة عارية لجسد إنسان أو رأيت امرأة تحتضن سماداً في تابوت، أو حتى رجلاً يُقبِل عظاماً متآكلة .. لا تستغرب وحاول أن تستوعب الأمر سريعاً .. وقتها تذكر أنك في فلسطين .. !!