هناك صورة نمطية تشكلت لدى الرأي العام بان المجلس الأعلى للحسابات ، لا يقدم ولا يؤخر وليس له أي اثر قوي في محاربة الفساد رغم انه يقوم بدور جوهري في ضبط الخروقات وبالتالي ما هو إلا عملية عادية من غير ذات معنى والإحساس الرائج لدى الرأي العام الذي يشعر بحجم فساد كبير من خلال كل تلك التقارير التي انجزت والتي تحدث عنها الاعلام كثيرا ، لا تقدم ولا تؤخر في ضرب مواطن الفساد ، الا ان ما كان ينتظره الراي العام المغربي ، يفاجأ بمتاهة المجادلة في اختصاص هذا المجلس ، ما رفع من حجم الاحباط لدى المواطن الذي كان ينتظر ان يتم توسيع اختصاصات اليات المحاسبة والمراقبة حتى تحقق مراقبة حقيقية لمؤسسات الدولة وان تكون هناك محاسبة على المال العام من النهب الذي تجاوز كل الحدود واضر بالمواطنين في مجالات عديدة إلى أن تحولت بعض المؤسسات عالة نظرا لكل ذلك النهب والتبذير اللاعقلاني ما سيجعل الأجيال المقبلة تتحمل تلك الاوزار ( وما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلا نموذجا ) ، ويتساءل الرأي العام كيف غابت المراقبة والمحاسبة حتى وصل النهب الى هذه الحدود ولماذا مؤسسات بهذا الحجم - المجلس الاعلى للحسابات والمفتشيات التابعة للوزارات - لم تكن قادرة على حماية الدولة من النهب ومن الفساد الذي كان دوما يقدم الاعلام حوله اشارات ،على المستوى الوطني ومحليا ( اقليمجرادة ) كانت اشارات من جمعيات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية والاحزاب السياسية والنقابات التي كانت توجه رسائلها الى الجهات المعنية سواء ما تعلق بالتدبير على مستوى المجالس المنتخبة او ما تعلق بالتعليم والصحة ( التدبير المالي والبنايات التي حولها خط احمر ) ... وتكفي بعض النقرات على الانترنيت لمراجعة تلك الاشارات . وكان على الدولة ان تفتح تحقيقا كما هو معمول به في جميع الدول الديمقراطية على الاقل تجاوبا مع نبض الشارع الذي كان يتحسس هذه الاختلالات وبالاخص امور ماثلة للعيان لم تراعي المعايير القانونية ما جعلها تنفضح في ظرف وجيز ... لقد تطور وتوسع الفساد مثل الاخطبوط ولم تسلم منه جميع المؤسسات بالدولة حتى تحول الى ثقافة في هذه البلاد تؤسس لأنماط من التعامل تحولت الى امور بديهية ، واصبحت مؤسسات الدولة مجالات للإغناء وبناء الثروة وتضخيم الارصدة . . ويعد الفساد المالي وسرقة المال العام بالخصوص احد عناصرتنامي الثروات بشكل "غير طبيعي" . ان أي تقرير ينجزه المجلس الاعلى للحسابات او أي تفتيشية تابعة لمؤسسات الدولة فان للمواطن المغربي تقاريره التي يعايشها يوميا ويلمسها بالمباشر ويعرف حيثياتها بحكم قربه من ساحة تلاعب يسهل انجازه على الورق من خلاله تزوير المعطيات والارقام على الورق بخلاف ما كان ينجز على الواقع ما يؤكد ان هناك حقائق صادمة لا تساهم الا في نخر هذا الوطن وبالأخص في غياب المتابعة الحقيقية والنزاهة في الجهر بالحقيقة في وضع تشكل فيه الرشوة التركيبة المركبة لعملية الاختلالات والنهب ... كيف يمكن إقناع الشعب المغربي بان هناك تغيير دستوري إذا لم يتم تنزيله وتفعيله الشعب يطالب الدولة بوقف الفساد ، وان الحكومة عليها أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الاتجاه . يفترض أن تكون للمغرب مؤسسات فعلية للمحاسبة والضبط ، ستنزل مفهوم ربط المسؤولية بالمحاسبة لزرع الثقة في المواطن وبالتالي لا يمكن أن يكون للدستور الجديد معنى ما لم يتم تفعيل هذه الآلية ، خصوصا وان الدستور ركز على ربط المسؤولية بالمحاسبة وأعطت الانتخابات حكومة ترفع شعار" محاربة الفساد " نتمنى أن لا يكون شعارا ديماغوجيا من بين الشعارات الرنانة التي اعتاد عليها السياسيون . كيف يمكن أن نقنع الذين قاطعوا الدستور بأنه ليس مجرد نصوص جامدة ، وانه جاء ليخلق رجة ديمقراطية وأخلاقية على مستوى الدولة التي تاهت في العديد من دروب الفساد في غياب أدوات الحماية وعلى رأسها مؤسسات المحاسبة وانتشار الرشوة والنفوذ السياسي والحزبي ...وعدم استقلالية العدل . لقد ضخت الدولة المغربية ملايير الأموال التي تقتطع من دافعي الضرائب لتجاوز العديد من الإخفاقات والتعثرات سواء على مستوى البنية التحتية المحلية أو على مستوى التعليم ( المخطط ألاستعجالي ) أو على مستوى الصحة (الرفع من مقدرة الوحدات الصحية ) ... ، هذه الأموال الطائلة التي وضعت لأجل خلق تنمية وتجاوز التعثرات كان يجب أن تحقق الأهداف المرسومة لها ، وليس أن تتحول إلى أرصدة أو أن تتوه في مشاريع وهمية من التبدير أو أن تسقط في ضعف التدبير، نظرا لسوء الحكامة وضعف المراقبة ما يترتب عن ذلك استنزاف للبلاد من غير أية نتيجة حيث الخسارة التي يتكبدها الاقتصاد المغربي جراء انتشار الرشوة والفساد ، اللذان بلغا مستويات قياسية عندما يتعلق الأمر بالصفقات العمومية والتلاعب والتحايل ... ما يضيع على الأجيال الصاعدة فرص التنمية والتطور حيث سيستمر المغرب يجتر نفس الإخفاقات والحال أن العديد من الاختلالات الاجتماعية ترجع أسبابها إلى هذا الاستنزاف الفظيع للمال العام . واقع مدينة جرادة يدعو إلى البكاء ، على مستويات عديدة ، فكم هي الأموال الطائلة التي أنتجتها هذه المدينة العمالية ، وكم ضحايا لهذه المدينة ماتوا وهم يتجرعون الفقر والبؤس ولا زالوا يتجرعون الإذلال ...من الذين لبسوا لباس السياسة يبيعون كرامة المواطنين في أسواق الانتخابات بأموال بنيت على ما تبقى من انقاض واشلاء ..... إذا كان هناك من شيء عملي يخفض من أصوات 20 فبراير التي ستستمر تتردد فهو المسؤولية اتجاه هذا الفساد الذي ينخر البلاد ، أما الحديث عن الاستثناء المغربي فهي لغة مبتذلة ومتجاوزة إلا إذا قرئت من الاتجاه الآخر من حيث النهب الذي تتعرض له البلاد والأموال التي تاخد طريقها إلى البنوك الأجنبية والثراء غير المشروع ...