«المرشد» هو إنسان خارج على القانون، ارتكب خطأ قانونياً، يعاقب عليه القانون، عادة ما تكون «جنحة» صغيرة، كالسرقة، أو السطو المسلح، أو استخدام القوة مع الآخرين دون وجه حق، ولأنه من عائلة فقيرة أو معدومة، يستقوي عليه ضابط الشرطة، ويخيره بين العمل «مرشداً» أو السجن، ولأنه عديم الشخصية والأخلاق والمروءة، يختار العمل «مرشداً»، وإيذاء إخوانه وجيرانه، كي ينجو بنفسه من العقوبة المقررة عليه. يقوم ضابط الشرطة بحفظ (دوسيه) القضية، في درج مكتبه الشخصي، بمعرفة رؤسائه، ويجعله سيفاً مسلطاً على رقبة «المرشد»، ليأتيه بكل ما يطلبه منه من أخبار عن جيرانه وأقربائه. كثير من قضايا «المرشدين»، تكون قد سقطت بالتقادم، لأن الجنحة لها مدة محددة من الزمن، وإذا لم يتم القبض على الجاني خلالها تسقط عنه، لكن لجهل هذه الفئة بالقانون، يستغلها الضابط أكثر فترة ممكنة، حتى إن بعض «المرشدين» يضطر لتغيير محل إقامته كي يكون بعيداً عن أعين الضابط الذي يعين عليه من يراقبه. لم يحاول أحد إلقاء الضوء على هذه الفئة، التي ملأت ربوع مصر من أقصاها إلى أقصاها، حتى إنه لا يخلو حي ولا شارع ولا قرية منها، وتعتبر من أكثر ضحايا الأمن. هذه الفئة، التي رمى بها القدر إلى مزالق السوء، حيث إنها عملت مع الأمن ك«جواسيس سريين»، رغماً عن أنفها، كي تنجو بنفسها من غياهب السجون، حيث مصيرها المحتوم، فتتلقفهم يد رجال الأمن الآثمة، وتجبرهم على التجسس لحسابها، حتى إنها آذت أقرب المقربين منها، حتى وصل الأمر بأحدهم إلى أن بلَّغ عن إخوانه وأبناء عمومته، وظن كثير منهم بأنه فوق القانون، لقربه من رجال الأمن، ونسي أن كل من يعرفه يكرهه، حتى إن الأرض التي يمشي عليها تلعنه، والضابط إذا غضب عليه سيلفق له تهمة أكبر من التي نجا منها جراء إيذائه جيرانه. كان ضابط الشرطة عندما يطلب من «المرشد» (إخبارية) عن أحد، ولا يأتيه بها، يقوم بضربه وإهانته على مرأى ومسمع كثير من البشر، ليذله أمامهم، حتى إنه في كثير من الأحيان، وعندما تكون قضية «المرشد» قد سقطت بالتقادم، يلفق له الضابط قضية مخدرات، أو حمل سلاح دون ترخيص، ويعتقله على إثرها، ويحاول تمديد فترة اعتقاله ليعذبه أكثر فترة ممكنة، حتى إذا وصل إلى النيابة وحوِّل إلى القضاء وخرج براءة، يكون قد قضى في السجن فترة لا تقل عن ثلاثة أو أربعة أشهر، في حين أن قضيته الأساسية كانت لا تتعدى عقوبتها الشهر أو الشهرين! بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وسقوط النظام، ليس لهؤلاء حجة يتكئون عليها، فيجب عليهم أن ينسوا الماضي، ويفتحوا صفحة جديدة مع جيرانهم وأصدقائهم، ويحاولوا أن يتأسفوا لهم على ما ارتكبوا من أخطاء في حقهم ليصفحوا عنهم، وأبناء مصر معروفون بالعاطفة والطيبة والرحمة، والعفو عند المقدرة، وعليهم أن يعاهدوا الله على ألا يعودوا إلى مزاولة هذا العمل الحقير، الذي جعلهم مكروهين من أعز الناس عليهم. على جمعيات حقوق الإنسان، أن تصل لهذه الفئة، المغرر بها، والتي تعتبر من ضحايا أجهزة الأمن الفاشلة، وهي معروفة للقاصي والداني، فلا يخلو شارع من شوارع مصر منهم، ليقوموا بتأهيلهم كي يمارسوا حياتهم الطبيعية، لأن الخطأ مردود، ولا يوجد إنسان على وجه الأرض معصوم من الخطأ، ولكنه يختلف من إنسان لآخر. ولو لم يُخطئ الإنسان، ما فتح الله باب التوبة على مصراعيه، كما جاء في الحديث النبوي الشريف «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها» {رواه مسلم}. محمد أحمد عزوز كاتب مصري