يسعى الكاتب، من خلال هذه الخواطر الرمضانية، إلى دعوة المؤمنين إلى الارتقاء بممارساتهم اليومية خلال شهر رمضان المبارك، باعتبار هذا الشهر فرصة لإعادة النظر في حياتنا، الماضي منها والقادم، كما أنه يأتي ليدفعنا إلى وقف هذا السباق المحموم على الدنيا وعلى المنافسة المحتدمة من أجل الاستهلاك ولا شيء آخر غير الاستهلاك، الذي يُنْسي الإنسانَ الكثيرَ من القيم الجميلة التي يستعيدها في أيام رمضان الروحانية... شهر رمضان هو شهر التوبة والغفران، فالله أمرنا بالإسراع إلى التوبة إليه في هذا الشهر، خاصة، ووعدنا بالمغفرة بإذنه، يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا، عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويُدخلَكم جنات تجري من تحتها الأنهار). إن التوبة واجبة، بإجماع العلماء، قال تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون). والله سبحانه رب كريم، خلقنا وأحسن إلينا، فكيف نقابل هذا الإحسان بالكفران: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار). والمعصية تزيل البركة من العمر والرزق وتضع بين قلب العاصي وربه وحشة، فيهون العبد على ربه وقد ينساه ويتركه لمصيره: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم). إن الإنسان يخطئ، ولا غرابة في ذلك، ففيه عنصر طيني أرضي، وآخر سماوي روحي يتنازعانه، ما دام حيَا. لذلك فتح الإسلام باب التوبة للجميع: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه مسلم والنسائي. لكن الفرصة قد لا تتكرر في حياة الإنسان، لذلك عليه المبادرة بالتوبة، فقد جاء في سورة النساء : (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم، وكان الله عليما حكيما، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدَهم الموتُ قال إني تبت الآن، ولا الذين يموتون وهم كفار، أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما). وجاء في البخاري: «إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح. وخذ من صحتك لسَقَمك ومن حياتك لموتك». وفي التسويف أمر آخر، وهو أن الإصرار على المعصية قد يفسد القلب، فلا يعود يتأثر بالموعظة ويغدو قاسيا لا يخشع، فلا يتوب أبدا. وهذا هو الران، ففي الحديث: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة، فإن هو نزع واستغفر صقلت، فإن عاد، زيد حتى تعلو قلبه، فذاك الران، الذي ذكر الله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون». رواه الترمذي والنسائي. ولا ينبغي للمسلم أن يستهين بالذنوب، ولا أن يعتمد على رحمة الله فقط، فإنه تعالى يقول: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم). والتوبة المطلوبة هي النصوح، أي الصادقة الجازمة، لا يكفي فيها الكلام، بل أولها ندم، قال عليه السلام: «الندم توبة»، رواه ابن ماجة. ثم الإقلاع عن المعصية والعمل بالخير. ومما يساعد على ذلك تغيير البيئة وأصدقاء السوء. وعلى التائب الإكثار من العبادات والنوافل وأعمال الخير، بشتى أنواعها، فالله سبحانه يقول: (وافعلوا الخير)، فكل إحسان إلى البشر أو الحيوان فيه أجر، ويعظم إن كانوا ذوي قربى أو أبوين.. وقد يتصور بعض الناس أن التوبة تكون فقط من معاصي الجوارح، كالخمر والميسر والسرقة.. ونحوها. لكن الصواب أن التوبة واجبة أيضا من معاصي القلوب، كالكِبَر والحسد والبُغض والرياء وحب الدنيا والجاه.. في الحديث: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم وصوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، رواه مسلم. وثمرة التوبة هي التصالح مع الله، فينعكس ذلك هدوءا في النفس وطمأنينة للروح، وتفاؤلا في الدنيا وإقبالا قويا على الحياة. أما في الآخرة، فللتائب فرصته ليكون من أهل الفوز، بل ومن المقرَّبين أصحاب اليمين. قال العلماء: إن من التائبين من يرجع إلى درجة أعلى مما كان عليها قبل المعصية. لذلك اختلفوا أيهما أفضل: المطيع، الذي لم يعْصَ، أم التائب الصادق؟ ففي الأول سلامة من المعصية أعلى من شأنها اللهُ، وفي الثاني انكسار وأسف يحبهما الله.. وكلاًّ وعد الله الحسنى.