مسرحيةٌ مميزة، ويمكن اعتبارها الأولى من نوعها بمسارح المغرب، لا من حيث تقنيات العرض التي استعملت الإنارة بالأشعة فوق البنفسجية فيما يعرف بالمسرح الأسود " The black light theater "الذي سبق له ان استُعمل في عمل واحد بالمغرب موجهٍ للأطفال فقط، ومن حيث المضمون تميز بأن أغلب مشاهده ساخرةً، بأسلوب حضاري واعٍ، أكثر من كل ما يُقدم في التلفزيون المغربي من عروض مسرحية تحاول تدجين المشاهد وتقوم بتعليبه عن طريق عروضها التي أصبح أغلب المشاهدين يشمئزون منها، ويظنون أنها لا تضحكهم بل تسخر منهم. هي مسرحيةٌ اختار لها مُعدها ومخرجها الفنان و المخرج " عمر درويش " عنوان : " بَرّق مَا تَقشَع " والذي هو مثل مغربي يعني باللغة العربية الفصحى " لغة الخشب " أو كترجمة حرفية " لن تفهم مهما حاولت ". ولعل أبرز مشاهد السخرية فيها: "يتحدث رجل يمثل الفن الزائف ويدافع عما أسموه أشباه الفنانين والمثقفين والكتاب، فيقول :الجمهور عاوز كده كما يقول المصريون، وهذه حقيقة عليكم قبولها فيرد عليه رجل من ضمن مجموعة تدافع عن الفن الحضاري الهادف :بل الصحيح هو الجمهور مفروض عليه كده... ويبدو أن أسلوب السخرية قد كان المهيمن على المسرحية منذ دقائق من بدايته، وقد كانت فكرتها العامة هي محاولة إثبات أن الجمهور لا يقبل ما يقدم إليه راغباَ بل مكرهاً، لأنه لو وجد الفن الحقيقي الذي يربي أكثر مما يمارس التهريج والسخرية من المتلقي، فما كان ليرفضه. هناك أيضا رفعٌ من شأن الكتابة والقلم والتعبير في هذا العرض، حيث أن المجموعة المكونة من أربعة أو خمسة أفراد كانت تلح وتصر طيلة العرض على المدعو "جيلالي " الذي كان هو الفنان والمخرج " عمر درويش " بأن يكتب مرددة مع موسيقى خاصة بالعرض لفرقة المسرح الطلائعي التي لها نفس أسلوب " مارسيل خليفة " للأغنية الملتزمة :" أكتب .. أكتب يا جيلالي .. " فيصاب بصداع في الرأس وقلق وحيرة ويتساءل بعمق : " أكتب عن ماذا ؟ أخبروني .. " فيردون : " أكتب عن العيون اللي جفت منها الدمعة، أكتب .. عن المرأة اللي ولدت وتعبت وهلك جسدها الشقاء .. أكتب عن المعاناة، عن الحزن .. " .. والحق أن أساليب الخداع المرتبطة بمسرح الضوء الأسود قد شكلت مساعدة مهمة في المشاهد، فنجد أن القلم يتحدث وهو معلق في الهواء – كما يبدو – لأنه مصبوغ بمادة تعكس الأشعة فوق البنفسجية لتظهر في الظلام دون أن يظهر حامله الذي يرتدي الأسود والقاعة شديدة الظلمة. وفي العموم، هي مسرحية وجهت نقداً لاذعاً للفن الذي فقد معناه، حيث عبرت عن ذلك أيضا في كلمات أغنية أخرى عرضت داخل المسرحية، وبالخصوص في جدل الممثلين مع الشخص الذي رمز للفن المزيف، لينتهي به المطاف في النهاية بالرحيل، بعد أن منحوه فرصة لتقديم ما عنده، ليبدأ بالتهريج وإلقاء نكات سخيفة ترمز لما تقدمه الشاشات، ثم يهتفون رافعين شعار : " إرحل " ليفسح المجال للبطل "جيلالي" ليكتب قائلا : " لنكتب ... لنمارس عشقنا المشترك ... ولنعود للزمن الضائع ".وقد كانت آراء الحضور إيجابية في مجملها، حيث اعتبرها البعض بداية ممتازة في طريق الرقي بالمسرح وأساليبه وكشف الزيف الذي يغطونه بالتهريج الذي يقدم إلينا كل يوم.ونختم بجملة قالها " جيلالي " وسط العرض : " الفنان الحقيقي لا يموت ".