, في زحام الحياة واشتداد التكالب عليها ، كن أكثر ثقة أنها لا تستحق كل هذا الجهد،فلن تكون شيئا مذكورا فيها لمجرد أن لديك منها ما يجعلك كذلك. يرد صديقه :البشر لديهم معايير في تحديد ضياع فلان من الناس أو عدم ضياعه؟! رد عليه : معايير البشر مختلة ، والإنصات لهم يفسد مداركك وضميرك وقلبك، أنت لست ضائع بمزاج فلان ، أو تقييم علاَّن من الناس ، إن نظرة الناس إليك لا تصنع منك ما يودونه ، أو يقولونه ، إلا حين تستسلم لذلك ، وتصغي إليهم ، وتدع الإنصات إلى من يجب عليك أن تصغي أليه ، وما يستحق حقا الإصغاء. -إلى من نصغي إذا؟ -إلى قول الله ، ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، إن المعايير الثابتة موجودة هناك ، أما البشر فمعاييرهم مختلة ومخاتلة ، وتصدر عن الهوى ، وكل له مذاهب شتى في الحكم على الحياة وما فيها ، وأهوائهم كفيلة بأن تفسد السموات والأرض "ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض" فكيف بإنسان خلق ضعيفا. يقول بديع الزمان النورسي رحمه الله:إن من يتوغل كثيرا في الماديات ،يتبلد في المعنويات ويظل سطحيا فيها،ولا يكون حكم الحاذق في الماديات حجة في المعنويات،بل غالبا لا يستحق سماعه،فالذين يبحثون عن كل شيء في الماديات عقولهم في عيونهم ،والعين عاجزة عن رؤية المعنويات" يرد صديقه ساخرا : أنت تريد أن انعزل عن الناس ، الناس مجتمعي يا صديقي ، وأنا جزء منهم فكيف لا أتأثر بهم وبما يقولون .؟! -ليس كل الناس مجتمعك ، والطيور على إشكالها تقع ، فثمة مجتمع سام وآخر مستنقع ، وكل يختار بيئته ،وحين تصقل روحك ستختار بيئتك ، والأرواح جنود مجندة كما قال صلى الله عليه وسلم،إن الروح لا تربطها وشائج القربى والنسب أو الدم ، إن لها مودة من نوع خاص ، فحين انتابت نوح الشفقة على ابنه ناداه مشفقا "يا بني اركب معنا " كان رده سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" لم يؤمن ، ولم تشفع له نبوة والده ، فالذين آمنوا رحمهم ، "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم " ورحمة الله شملت من آمن به ،ولذلك قال الله لنوح "إنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح" انتفت صلة القربى عندئذ.! ومن يصنع الخير لا يضيع ، وحدهم صناع الشر ضائعون ، ولذلك ثق بالله يا صديقي كما أخبرتك من قبل ، فمن تمسك به لن يضيع ، لأن ضياع المرء يتأسس بتضييع الأسس ، فالحق ثابت والباطل لا أساس له ، وحين يأتي الحق يحتضر الباطل ، الحق ثابت باق ، والثابت هو الأساس . مقاييس الناس تعتمد على تدركه الحواس وتراه ، وتلمسه ، والحواس تخدع "قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم" فلما خسف الله به وبداره الأرض تغيرت معاييرهم ، ولذلك أخرج الله إبليس من الجنة حين اختل معياره ، وانبثق من ذاته ومن نظرته لها ، لن تضيع ما دمت مع الله ، وإن جار الزمن فاصبر ،فمن المحال دوام الحال ، وبقدر ثباتك تتقدم ، وتكون منزلتك عند الله يقول فتح الله كولن "أنت موجود بقدر صبرك، ومنزلتك عند الحق تعالى هي بقدر صبرك" إن سخرية الساخرين لن تستطيع أن تمس شعرة من يقينك ، وإن زفرت من فاه الذين يظهرون الصلاح ، ذلك أن تلك الوسيلة هي أداة من أدوات استنزاف روحك ويقينك ، إن الشيطان قد يسخر على لسان أولياءه ، حين يفشل في ثنيك عن أوبتك ، وحين تفشل وساوسه في اجتيالك ، والمصيبة الكبرى يا صديقي أن يسخر الله منك ، أما سخرية البشر تستند غالى معايير مختلة وقد يكون الخير في من سخروا منه. ولا يقطع الطريق إلى الله إلا شيطان ، أو دعاة على أبواب جهنم ، وقد ظهر في هذا الزمن يا صديقي من يتعاضد مع الشر في صد من يئوب إلى ربه ، رغم ملامح الصلاح ، وإنك لتستغرب حقا ، وتحس بأنك في زمن القابضون على لجمر . وعليك أن تكافح رياح الشر التي تريد أن تطفي جمرة الدين في قلبك ، فالبشر أعجز من أن يعصمونك منه إذ لم يعصمك الله منه. وإذا أردت أن تستعصي ، فلا تعصي ، فالمعصية ضعف ، والطاعة قوة ، ولا قوة إلا بالله.